غَدا صَلَاة الْجُمُعَة ونفصل يَوْم السبت بعده فَتَوَلّى الْخطْبَة بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة فأبلغ فِي تذكيرهم وتخريفهم وَكَانَ خَطِيبًا مصقعاً فَلَمَّا شَارف مقطع خطبَته قَالَ معاشر النَّاس رحمكم الله أمّنوا على مَا أَدْعُو الله بِهِ واسألوه مَا أَنا سائله من الْخيرَة فِيمَا أؤمله وَرفع يَده نَحْو السَّمَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت أحقّ بِهَذَا الْأَمر الَّذِي قُمْت فِيهِ من عبد الرَّحْمَن بن هِشَام حفيد أخي فانصرني عَلَيْهِ وَافْتَحْ لي فِيهِ وَإِن كَانَ هُوَ أحقّ مني وَأَنا صنو جده فانصره عليّ فأمّن النَّاس جَمِيعًا عالية أَصْوَاتهم فَلم يكد يستوعب كَلَامه حَتَّى ضَربته الرّيح الْبَارِدَة فَسقط إِلَى الأَرْض مفلوجاً وَاحْتمل إِلَى مَكَان مضطربه فأكمل النَّاس صلَاتهم بِغَيْرِهِ
وَمكث عبد الله مسكتاً أَيَّامًا ثمَّ إِن الله أطلق لِسَانه وَمنعه سَائِر جوارحه فَقَالَ لأتباعه إِن الله تَعَالَى قد أجَاب الدعْوَة وَفصل الْخطاب وحماني الإمرة وَلَا مرد لحكمه فامضوا لسبيلكم فَتفرق جمعه وَصَرفه أَهله إِلَى وَطنه ببلنسيّة فكاتب عبد الرَّحْمَن بِخَبَر علته ويأسه من نَفسه وعهد إِلَيْهِ بِالنّظرِ لأَهله وَولده فأنفذ عَهده وَلم يعرض لَهُ إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ
وَقد كَانَ ابْنه عبيد الله بن عبد الله لحق بالحكم بن هِشَام وَكَانَ من ذَوي مشورته وكبار قواده وأغنى يَوْم الهيج أعظم غناء ثمَّ قاد الصوائف لعبد الرَّحْمَن بن الحكم فَكَانَ يعرف بِصَاحِب الصوائف وَهُوَ أحد رجالات بني أُميَّة