للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَّا يَقْتَضِيهِ الشَّبَاب من غلوائه مُقبلا على محبَّة الْعلمَاء لَا يعرف لَهُ صبوة وَرُبمَا انه مَا نظر الى وَجه أَمْرَد وَحكى عَنهُ انه طلع يَوْمًا للتنزه فى الوادى التحتانى فَالتقى مَعَ جمَاعَة من أَرْبَاب الصَّنَائِع خَرجُوا للسير فأرسلوا لَهُ قهوة مَعَ شَاب مِنْهُم خالى العذار فَلم يَتَنَاوَلهَا مِنْهُ وَأمر بعض أَتْبَاعه من الكهول بمناولتها ثمَّ صرف عَن دمشق فى ثَالِث ذى الْقعدَة سنة خمس وَسِتِّينَ وجاءته رُتْبَة الوزارة وَهُوَ مُقيم بهَا ثمَّ رَحل الى الرّوم وَولى بعد مُدَّة مُحَافظَة مصر وَورد دمشق وَهُوَ مُتَوَجّه اليها وَذَلِكَ نَهَار الاربعاء عشرى ذى الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَاسْتمرّ بهَا حَاكما ثَلَاث سِنِين وَسيرَته فِيهَا الى الْآن مَذْكُورَة مشكورة ثمَّ عزل عَنْهَا وَأسْندَ اليه بعض أُمُور هُوَ برِئ مِنْهَا فحبس أَيَّامًا ثمَّ قتل وَدفن بالقرافة تجاه شباك الامام الشافعى رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ قَتله فى سنة احدى وَسبعين وَألف وَمن لطائفه انه كتب اليه الاستاذ مُحَمَّد بن زين العابدين البكرى وَهُوَ فى السجْن رِسَالَة فى شَأْن مَال أَخذه مِنْهُ تَعَديا فى زمن تَوليته من جُمْلَتهَا ان كَانَ الذى أَخذ منا من المَال عَاد عَلَيْكُم فَأنْتم فِي حل مِنْهُ وان كَانَ عَاد الى الْغَيْر فَلَا بَأْس بالاعلام بِهِ لنسترجعه فَكتب اليه الْجَواب بَيْتا وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَهُوَ

(شربنا وأهرقنا على الارض فضلَة ... وللارض من كأس الْكِرَام نصيب)

وَحكى انه لما قتل وجد فى جيبه كاغد مَكْتُوب عَلَيْهِ هَذِه الابيات وَكَانَ فى السجْن كثيرا مَا ينشدها وهى

(تجنوا لى ذنوبا مَا جنتها ... يداى وَلَا أمرن وَلَا نهيت)

(وَلَا وَالله مَا أضمرت غدرا ... كَمَا قد أظهروه وَلَا نَوَيْت)

(وَيَوْم الْحَشْر موقفنا وتبدو ... صحيفَة مَا جنوه وَمَا جنيت)

(وَيحكم بَيْننَا الْمولى بِعدْل ... فويل للخصوم اذا ادعيت)

قلت وَقد تداولت النَّاس هَذِه الابيات كثيرا وخمسوها وأغلبهم يظنّ انها من نظمه وَلَيْسَ كَذَلِك فانها للامير اسامة بن منقذ ذكرهَا فى تَرْجَمته ابْن خلكان وَلها أَبْيَات أخر فى أَولهَا مثبتة فى ديوانه وَكَانَ كتبهَا لابيه جَوَابا عَن أَبْيَات كتبهَا أَبوهُ اليه وهى

(وَمَا أَشْكُو تلون أهل ودى ... وَلَو أَجدت شكيتهم شَكَوْت)

(مللت عتابهم ويئست مِنْهُم ... فَمَا أرجوهمو فِيمَن رَجَوْت)

(اذا أدمت قوارصهم فؤادى ... كظمت على أذاهم وانطويت)

(ورحت عليهمو طلق الْمحيا ... كانى مَا سَمِعت وَلَا رَأَيْت)

<<  <  ج: ص:  >  >>