الشّرف من جَانب السلطنة بعد موت أَبِيه وَعلا شَأْنه وتدرج الى أَن جمع جمعا كَبِيرا من السكبان وَاسْتولى على بِلَاد كَثِيرَة مِنْهَا صيدا وصفد وبيروت ومافي تِلْكَ الدائرة من أقطاع كالشقيف وكسروان والمتن والغرب والجرد وَخرج عَن طَاعَة السلطنة وَلما وصل خَبره إِلَى مسامع الدولة بعثوا لمحاربته أَحْمد باشا الْحَافِظ نَائِب الشَّام وَكَثِيرًا من أُمَرَاء هَذِه النواحي فَلم يقابلهم وهرب إِلَى بِلَاد الفرنج وَأقَام بهَا سبع سِنِين إِلَى أَن عزل الْحَافِظ عَن نِيَابَة الشَّام فطلع إِلَى مستقره فِي شَوَّال سنة سبع وَعشْرين وَألف وَزَاد بعد ذَلِك فِي الطغيان والاستيلاء على الْبِلَاد بلغت أَتْبَاعه إِلَى نَحْو مائَة وَألف من الدروز والسكبان وَاسْتولى على عجلون والجولان وحوران وتدمر والحصن والمرقب وسليمة بِالْجُمْلَةِ فانه سرى حكمه من بِلَاد صفد الى انطاكية وتنبل وَلَده الامير على وَولى حُكُومَة صفد وَكَانَ وَقع بَين فَخر الدّين وَبَين بنى سَيْفا حكام طرابلس الشَّام حروب شَدِيدَة ودهمهم مرّة فنهب طرابلس وأباد كثيرا من ضواحيها وَكَانَ سَببا لخراب هاتيك الْبِلَاد ثمَّ صاهر بنى سَيْفا هُوَ وَابْنه وتزوجا مِنْهُم وَجَاء هما أَوْلَاد وَلما ولى نِيَابَة الشَّام الْوَزير مصطفى باشا بعد عَزله عَن مصر فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ قَصده بعسكر الشَّام وَكَانَ الشاميون قد خامروا عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع المصاف بَين الْفَرِيقَيْنِ بِالْقربِ من عنجر ولى الْعَسْكَر الشامى هربا فانكسر مصطفى باشا كسرة مُنكرَة وَقبض عَلَيْهِ ابْن معن وَأَخذه بعلبك مُقَيّدا فى الْبَاطِن مطلوقا فى الظَّاهِر وبقى عِنْده الى أَن وصل الْخَبَر الى دمشق فَاجْتمع علماؤها وكبراؤها وذهبوا الى ابْن معن ورجوا مِنْهُ فكاكه فَأطلق سَبيله وَقدم دمشق فانتقم مِمَّن كَانَ السَّبَب لَهُ فى الرّكُوب وَرجع فَخر الدّين الى بِلَاده وَلم يَزْدَدْ بعد ذَلِك الا عتوا وكبرا وَبَلغت شهرته الْآفَاق حَتَّى قَصده الشُّعَرَاء من كل نَاحيَة ومدحوه وَرَأَيْت مدائحه مدونة فى كتاب يبلغ مائَة ورقة وأكثرها قصائد مُطَوَّلَة وَأما المقاطيع فَلم أستحسن مِنْهَا الا هَذَا الْمَقْطُوع أنْشدهُ اياه عَطاء الله السلمونى المصرى يخاطبه بِهِ
(يراعك ان أبكيته ضحك الندى ... وعضبك ان أضحكته بَكت العدا)