انْقَطع فى بَيته بمحلة قبر عَاتِكَة وَكَانَ يتَرَدَّد اليه الزوار وَكَانَ مَجْلِسه غاصا باللطائف والمعارف وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ آيَة من آيَات الله تعلى قَالَ الغزى فى تَرْجَمته صحبته نَحْو خمس سِنِين وَكنت أَقُول مَا على من صحب هَذَا الشَّيْخ اذا فَاتَتْهُ الصُّحْبَة مَعَ الْمُتَقَدِّمين وَكَانَت وَفَاته فى نَهَار السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس بعد الالف وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من سيدى نصر المقدسى رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى بكر بن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْخَالِق بن عبد الرَّحْمَن الملقب محب الدّين بن تقى الدّين أَبُو الْفضل العلوانى الحموى الدمشقى الحنفى جد أَبى شامة الشَّام وفرد الزَّمَان وانسان حدقة الْعلم وروح جسم الْفضل وفريدة عقد الادب ودرة تَاج الشّعْر وَكَانَ مِمَّن توَحد فى عصره بِمَعْرِِفَة الْفُنُون خُصُوصا التَّفْسِير وَالْفِقْه والنحو والمعانى والفرائض والحساب والمنطق وَالْحكمَة والفنون الغريبة كالزايرجا والرمل وَغير ذَلِك وفَاق من عداهُ فى لطف النثر وعذوبة اللَّفْظ وجودة الْمَعْنى وغرابة الْمَقْصد وانسجام التراكيب وَأما خطه فاليه النِّهَايَة فى الْحسن والضبط وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ بِحَيْثُ لَو حسب عمره والذى كتبه لبلغ كل يَوْم كراسا بالكامل هَذَا مَعَ كَثْرَة الاسفار وتزاحم الاشغال والارتباط للْقَضَاء وَالْفَتْوَى والتأليف وَألف المؤلفات العجيبة السائغة مِنْهَا حَوَاشِيه على التَّفْسِير وَالْهِدَايَة والدرر وَالْغرر ومنظومته فى الْفِقْه الَّتِى سَارَتْ مسير الشَّمْس سَمَّاهَا عُمْدَة الْحُكَّام وَقد احتوت على غرائب الْمسَائِل واعتنى بشرحها أجلاء الْفُضَلَاء مِنْهُم الامام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح امام السُّلْطَان وَالشَّيْخ اسماعيل النابلسى وَابْنه شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغنى وَله شرح شَوَاهِد الْكَشَّاف سَمَّاهُ تَنْزِيل الْآيَات على الشواهد من الابيات وَشرح منظومة القاضى محب الدّين بن الشّحْنَة فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَكَانَ سنه اذ ذَاك سِتّ عشرَة سنة وَله الرحلة المصرية والرومية والتبريزية والسهم الْمُعْتَرض وَالرَّدّ على من فجر وَله عشرُون رِسَالَة مَجْمُوعَة فى دفتر وترسلاته كَثِيرَة جدا جمع والدى مِنْهَا حصتة فَجَاءَت فى مِقْدَار أَرْبَعِينَ كراسا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَكثر أَبنَاء عصره احاطة وأجلهم فَائِدَة وَقد ولد بحماة وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على وَالِده الى أَن تنبل وَكَانَ أَبوهُ قد بلغت بِهِ السن الى الْعَجز عَن الاقراء فَبَعثه الى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى الوفا ابْن ولى الله الشَّيْخ علوان وَكتب اليه مَعَه هَذِه الابيات من نظمه