حَيْثُ أنزلك حَتَّى يكون الله عَنهُ نقلك وَأَيْضًا فان الله لَو لم يرد لَك هَذَا الامر الذى أَنْت فِيهِ مَا سهله لَك وسَاق من ذَلِك فَصَارَ وَكتب بعده فى حَاشِيَة الْمَكْتُوب وَمَعَ ذَلِك أَقُول
(سجنو الطّيب لغاتهم ... يَا ليتهم كَانُوا صموت)
(موت النُّفُوس حَيَاتهَا ... من رام أَن يحيا يَمُوت)
فَلَمَّا وقف على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ علم الاشارة فَنزع ثِيَابه كلهَا وَعتق مماليكه وَدخل فى عدل ثخين وَجلسَ فى محلّة العنابة فى مَسْجِد الْعين ثَلَاثَة أَيَّام لَا يكلم أحدا وَلَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَترك الزعامة والدولة وَاسْتمرّ فى بَيته بمحلة العنابة جَالِسا متفردا عَن النَّاس لابسا ثِيَاب الصُّوفِيَّة الى أَن مَاتَ فانتقل وَلَده أَحْمد الى محلّة القيمرية وَسكن فى بيُوت ابْن الحارة ثمَّ أثبت الْمدرسَة المقدمية وانه من ذُرِّيَّة واقفها وَأظْهر على مَا ادَّعَاهُ عدَّة تمسكات وانتقل اليها وسكنها ثمَّ سكنها بعده ابْنه صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَاسْتمرّ بِيَدِهِ تدريسها وتوليتها وَهَذِه الْمدرسَة منسوبة الى من هم منتسبون اليه وَهُوَ أَمِير الامراء شمس الدّين الْمُقدم الذى كَانَ من كبار الامراء فى زمن الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد ثمَّ صَار من كبار الامراء الصلاحية وَحج فَوَقع بَينه وَبَين أَمِير الْحَاج العراقى طاشتكين فَضرب ابْن الْمُقدم بِسَهْم وَقع فى عينه فَمَاتَ من غده ذكره ذَلِك ابْن خلكان فى تَارِيخه وَغَيره من المؤرخين
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن ادريس المنعوت بشمس الدّين الحلبى ثمَّ الدمشقى الْمَعْرُوف بِابْن قولا قسز وَقد تقدم ابْنه أَحْمد وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا فَاضلا بارعا فَقِيها لَهُ اطلَاع على مسَائِل فقه الامام الاعظم أَبى حنيفَة قَرَأَ بحلب على عالمها الامام النَّجْم بن الحنبلى الاصول وَالْفِقْه والْحَدِيث وَأخذ عَن منلا أَحْمد القزوينى الْمعَانى وَالْبَيَان وَالتَّفْسِير ثمَّ رَحل الى دمشق وَأخذ بهَا الْفِقْه عَن خطيب الشَّام وفقيهها النَّجْم والبهنسى والْحَدِيث عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وَقَرَأَ البخارى عَن النُّور النسفى وَأخذ الْفَرَائِض عَن الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الحنفى والقراآت عَن الطيبى والمنطق عَن منلا ابراهيم الكردى القزوينى الحلبى وَبِه تفقه وَلَده أَحْمد وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانجماع عَن النَّاس وَلم يكن لَهُ وَظِيفَة وَلَا مدرسة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خِيَار الافاضل وَكَانَت وِلَادَته فى خَامِس عشرى شهر ربيع الاول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الاحد رَابِع عشرى شهر ربيع الاول سنة احدى وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى