للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله معاليه يُرِيد أَنه ولى الامامة للسُّلْطَان عُثْمَان أَولا ثمَّ للسُّلْطَان مُرَاد ثَانِيًا فالاول الماضى والثانى الباقى قلت ووليها ايضا للسُّلْطَان ابراهيم فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ الباقى ثمَّ قَالَ فَاضل عرف الدَّهْر قدره فَأطلع فى فلك النباهة بدره وميزه على أترابه وأقرانه تميز سميه على اخوانه وبلغه الرُّتْبَة الَّتِى تتقاعس عَنْهَا رُتْبَة التمنى واعتنى بِهِ فأوصلها اليه بِغَيْر مشقة التعنى وَذَلِكَ انه مَا شعر الا وخيل الْبَرِيد أَمَامه بأوامر ولى الامر ليَكُون امامه فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ بِتِلْكَ البقعه وَكَانَ محاصرا احدى ممالك شاه تِلْكَ الرقعة

(تطلع فى أَعلَى الْمصلى كَأَنَّمَا ... تطلع فى محرا دَاوُد يُوسُف)

وفى ثَالِث يَوْم وَصله بلغ السُّلْطَان من تِلْكَ الممنعة غَايَة مأموله واعتقد أَن ذَلِك الْفَتْح ببركة قدومه وقارن اعْتِقَاده فِيهِ غزارة علومه فاستخلصه لنَفسِهِ واتخذه نديمه أَوْقَات أنسه هَذَا وَله الْخط الذى يسحر عقول أولى الالباب حَتَّى كَأَنَّهُ اقتبس نَفسه من سَواد مقل حسان الْكتاب

(اذا كتب القرطاس خلت يَمِينه ... تطرز بالظلماء أردية الشَّمْس)

وَالشعر النَّضر الذى تبدو مِنْهُ نغثات السحر والنثر الْعطر الذى تروى عَنهُ نفحات الزهر انْتهى قلت ومولده بِدِمَشْق وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره مِنْهُم الْحسن البورينى وَأكْثر انتفاعه بِهِ وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ أَحْمد العسالى وَأَعْطَاهُ الله تَعَالَى مَا لم يُعْطه لاقرانه من الذكاء وَحسن الطَّبْع ولطف الشّعْر وحلاوة الْمنطق وَحسن الصَّوْت وَولى فى اول أمره خطابة السليمية ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة اشْتهر بهَا أمره وشاع وملا خبر فَضله وَحسن صَوته الاسماع وَلم يزل حَتَّى بلغ خَبره مسامع السُّلْطَان عُثْمَان فاستدعاه اليه وصيره امامه الْمُقدم فى المكانة وَالْمَكَان وَكَانَ فى الْعَهْد السَّابِق لكل سُلْطَان يلى السلطنة نظارة على جَامع بنى أُميَّة أظنها أَرْبَعِينَ عثمانيا فَجَعلهَا السُّلْطَان الْمَذْكُور خطابة ثَانِيَة فى الْجَامِع الْمَذْكُور وَأحسن بهَا اليه فَلَمَّا قتل السُّلْطَان عُثْمَان أقلع عَن الرّوم وَقدم الى دمشق وباشر الخطابة الْمَذْكُورَة ووجهت اليه الْمدرسَة السليمية فَأَقَامَ بِدِمَشْق يُفْتى ويدرس ويخطب الى السّنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ السُّلْطَان مُرَاد فى تِلْكَ السّنة قصد روان فتوفى امامه فى الطَّرِيق وَطلب اماما فَقيل لَهُ ان امام أَخِيك السُّلْطَان عُثْمَان فى دمشق وَأَنه أحسن امام يُوجد الْآن فَأرْسل اليه فَتوجه

<<  <  ج: ص:  >  >>