للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي بعض محاضراته أَن الشَّيْخ سيف الدّين قصد يَوْمًا التَّنَزُّه فصحبه هُوَ ورفيقان من طلبته حَتَّى انْتَهوا إِلَى جَامع يلبغا فتفقدوا بعض دَرَاهِم لأجل نَفَقَة الْيَوْم فَلم يَجدوا مَعَهم شَيْئا فَلَمَّا فطن الشَّيْخ بهم قَالَ لحسين أَنا أُعْطِيك نَفَقَة الْيَوْم ثمَّ جَاءَ إِلَى رخامة فِي الْجَامِع وَخط عَلَيْهَا دَائِرَة ثمَّ قَالَ لَهُ اسحب فسحب شريطا من ذهب حَتَّى انْتهى إِلَى مِقْدَار ثمَّ قطعه وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ بِعْهُ وأتنا بِثمنِهِ قَالَ فَذَهَبت ووزنتته فجَاء وَزنه تِسْعَة مَثَاقِيل فأنقدت ثمنه ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ لي اصرف مِنْهُ مِقْدَار كفايتنا وَالْبَاقِي دَعه مَعَك تنْتَفع لَهُ وَحدث أَن الشَّيْخ سيف الدّين كَانَ مستخدما كَمَا سلف قَالَ وَكنت يَوْمًا جَالِسا فَجَاءَنِي مِنْهُ رَسُول يناديني إِلَيْهِ فصحبته وَأَنا ذَاهِب فِي الطَّرِيق وَكنت إِذْ ذَاك مشتغلا بِتِلَاوَة الْأَسْمَاء فشرعت فِي تلاوتها فرأيته يتباعد عني فناديته وتكررت التِّلَاوَة مني والتباعد مِنْهُ فَقلت لَهُ مَالك تتباعد عي فَقَالَ لَا أقدر على الْقرب مِنْك وَأَنت تتلو هَذِه الْأَسْمَاء ففطنت بِهِ قَالَ وَلما اجْتمعت بالشيخ قلت أما كَانَ عنْدك رَسُول من الْأنس حى أرْسلت لي هَذَا فَأَجَابَنِي أَو تعرف إِن لي خدمَة غير هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْجِنّ وَبعد وَفَاة شَيْخه الْمَذْكُور انْفَرد هُوَ بِدِمَشْق بِمَعْرِِفَة هَذَا الْفَنّ وامتحن مَرَّات وَكَانَ من جملَة ذخائره فِي هَذِه الصِّنَاعَة مرْآة إِذا أبهم عَلَيْهِ أَمر يُعْطِيهَا لآحد جُلَسَائِهِ ينظر فِيهَا وَيَتْلُو هُوَ إسما فَيرى النَّاظر فِيهَا الْمَطْلُوب على كَيْفيَّة تنْتج مَعْرفَته حَتَّى يبْقى كَأَنَّهُ مشَاهد فيخبره بِهِ النَّاظر فيشرع فِي تَحْصِيله وَمن أغرب مَا سمعته عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب أحد قُضَاة دمشق كَانَ لَهُ أَخ فِي الرّوم وكا بهَا أحد الصُّدُور فَغَضب عَلَيْهِ السُّلْطَان وعزله عَن منصبه ونفاه عَن دَار السلطنة فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى أَخِيه قَاضِي دمشق ظن أَنه قتل وَحصل لَهُ من الْأَلَم مَا مَنعه الهجوع فاستدعى صَاحب التَّرْجَمَة وَطلب مِنْهُ النّظر فِي حَال أَخِيه فَظهر فِي الْمرْآة مَكَانَهُ وهيئته وَذكر أَنه مُرْسل إِلَى أَخِيه القَاضِي مَكْتُوبًا وَبَين عدد أسطره وَيَوْم وُصُوله فَطلب مِنْهُ قِرَاءَته فَكَانَ النَّاظر فِي الْمرْآة يملي عَلَيْهِ وَهُوَ يكْتب إِلَى أَن انْتهى وَاتفقَ مَجِيء الْمَكْتُوب فِي الْيَوْم الَّذِي عينه فقوبل على النُّسْخَة الَّتِي كتبت فَلم يزود وَلم ينقص وَهَذِه الْوَاقِعَة من أغرب مَا سمعته وَقد رزق من الْحَظ والإقبال فِي أُمُوره نَصِيبا وافرا وَتَوَلَّى المناصب السامية وانعقدت عَلَيْهِ صدارة دمشق وتملك الْأَمْلَاك الْكَثِيرَة وَعمر الْأَمَاكِن البهية من جُمْلَتهَا قصره وقاعته بالصالحية وَهُوَ أبهى مَكَان بهَا وَقد قَالَ فِيهِ مفتي الشَّام الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن المهمندار مؤرخا عَام بنائِهِ بقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>