الْمَشَاهِير فِي ذَلِك الْقطر بعلو الْقدر فِي الْعلم وَالْعِبَادَة ومدحه كبار الْفُضَلَاء وأثنوا عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَكَانَ مَوْصُوفا بالسخاء والمكارم وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الشهَاب أَحْمد الخفاجي فَإِنَّهُ رثاه مؤرخا وَفَاته بقوله
(صَاح هَل نَافِع وَهل عَاصِم من ... نشر وجد أَمْسَى بطي الضلوع)
(غير صَبر قد مرا ذمر من كَانَ ... ربيعا لكل غيث مربع)
(كَامِل وافر رمانا زمَان ... فِيهِ بالبعد بعد فقد سريع)
(هُوَ بر وَفِي المكارم بَحر ... من أصُول تزهو بِخلق بديع)
(قد فَقدنَا فِيهِ اصطبار فارخ ... كل صَبر محرم فِي ربيع)
ورثاه الشَّيْخ حسن الشَّامي مؤرخا
(صبري تنَاقض لازدياد دموعي ... مِمَّا حوته من الْفِرَاق ضلوعي)
(ذهب الَّذِي كُنَّا لَهُ جمعا بِهِ ... وفراق جمعي قد أضرّ جميعي)
(يَا قلب إِن لم تستطع صبرا فنى ... رفقا بِنَا حل جسمي الموجوع)
(وَإِذا ذكرت ربيع أَيَّام مَضَت ... أرخ بشوال فِرَاق الرّبيع)
رَجَب بن حجازي الْحِمصِي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْمَعْرُوف بالحريري الشَّاعِر الرِّجَال كَانَ صَحِيح التخيل فِي الْأَشْيَاء إِلَّا أَنه يغلب عَلَيْهِ جَانب الهجو فِي تخيله والأزراء حَتَّى بِنَفسِهِ جيد النَّقْد فِي الشّعْر مَعَ أَنه لَا يعرف الْعَرَبيَّة وزانا بالطبع وَإِن عرف شَيْئا من الْعرُوض وأميل مَا كَانَ فِي أَقسَام الشّعْر إِلَى الهجاء وَله فِيهِ نَوَادِر عَجِيبَة وَله كثير من الأزجال والرباعيات والمواليا والموشحات والتواريخ والأحاجي وكل ذَلِك كَانَ يَقع لَهُ من غير تكلّف روية بِحَيْثُ أَنه فِي سَاعَة وَاحِدَة ينظم مائَة بَيت وَمثلهَا قِطْعَة أَو قطعتين من الزجل والموشح وَقس على ذَلِك الْبَوَاقِي وَكَانَ قَلِيل الْحَظ كثير السياحة لم يَسعهُ مَكَان وَلم يقر لَهُ قَرَار وَكَانَت سياحته مَقْصُورَة على حلب ومصر ودائرة الشَّام وَحج وجاور بالحرمين سنتَيْن وَلم يزل شاكيا من دهره باكيا على سوء بخته وَرَأَيْت لَهُ أشعارا كَثِيرَة غالها شكاية وهجورا مَا غزله فقليل من أعذبه قَوْله من قصيدة مطْلعهَا
(فيض المدامع نَار وجدي مَا طفا ... بل زِدْت مِنْهُ تلهبا وتلهقا)
(وجوى أذاب جوارحي وجوانحي ... وَهوى على السلوان صال وألفا)