تنَازعا فِي مسئلة فَرضِيَّة فقصد أَحدهمَا بالسؤال عَنْهَا أَخَاهُ أَبَا السعادات وَامْتنع الآخر فَحلف الأول بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَنه لَيْسَ بِمَكَّة وأعمالها أحد أعلم مِنْهُ فَهَل يَقع على الْحَالِف حنث أم لَا وَهل بِالْبَلَدِ من يُسَاوِي الْمشَار إِلَيْهِ فِي الْعلم أَو يفوقه فَأجَاب شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ الشهَاب أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي الْكِنَانِي وَالْإِمَام السنباطي بِعَدَمِ الْحِنْث وَأطلق الأول بِانْفِرَادِهِ فِي وقته وَعدم مساواته فضلا عَن أَن يفوقه أحد فِي بَلَده وَقيد الثَّانِي بِأَنَّهُ إِذا سُئِلَ فِي الْفِقْه أجَاب فِي الْحَال من الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَو فِي الْأُصُول فَمن ابْن الْحَاجِب والبيضاوي وَكَذَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير كَمَا شَاهده مِنْهُ فِي مجاورته بِبَلَدِهِ فَلَمَّا اطلع على السؤالين وجوابهما الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي الْمُحب الطَّبَرِيّ كتب فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قصيدة لامية من نظمه إِلَى الْحَافِظ ابْن حجر مضمونها الْإِنْكَار عَلَيْهِ وعَلى السنباطي فِي الْفتيا وَهِي هَذِه
(يقبل الأَرْض عبد قد أحبكم ... طفْلا وَفِي كبرٍ فِي الْحبّ مَا عدلا)
(وَيسْأل الله أَن يحظى برؤيتكم ... على الصَّفَا فَعَسَى أَن يبلغ الأملا)
(يَا وَاحِد الْعَصْر خُذ منا مراسلة ... تَشْكُو لما قد حكى عَنْكُم وَمَا حصلا)
(من مَكَّة صدرت تَشْكُو لخالقها ... أَيْضا وتروى لكم عَن ألسن الفضلا)
(مَا بَال سيدنَا زلت أنامله ... وَالله تِلْكَ لعمري زلَّة العقلا)
(جَاءَت لمَكَّة فتيا قد جزمت بهَا ... بِأَن أفضلهَا هَذَا الَّذِي خذلا)
(وَقلت هَذَا طَلَاق لم يَقع وَلَقَد ... قَالَ المحق طَلَاق الأحمق اتصلا)
(إِن كَانَ أعملها من قد ذكرت فقد ... صَارَت بِلَا عَالم وَالْعلم قد هزلا)
(رام الترقي إِلَى الْعليا فأنزله ... ذَا الدَّهْر من طيشه لَا زَالَ مستفلا)
(قد أوقع الحبر فِيمَا لَيْسَ شيمته ... كَانَ الإِمَام عَن التحريف منعزلا)
(ارْجع هداك الَّذِي أَعْطَاك منزلَة ... عَن ذِي الْمقَالة وَالْأَمر الَّذِي نقلا)
(مَا يحمد الله فِي الدّين والهوى وَلَقَد ... ذمّ الَّذِي بالهوى قد كَانَ مشتغلا)
(هلا كتبتم أدام الله دولتكم ... مثل السباطي إِذْ من أَكلَة وحلا)
(خُذ زادك الله حرصاً ذكر سيرته ... عَن وَاحِد لم يزدْ فِيهَا وَلَا جهلا)
(أَبُو السعادات هَذَا من شبيبته ... وَفِي كهولته مَا حَاز قطّ علا)
(لم يَأْخُذ الْعلم عَن شيخ يعرفهُ ... وَجه الصَّوَاب وَلَا أصغى وَلَا قبلا)
(يُفْتِي من الْكتب إِن أخطا فعادته ... وَإِن أصَاب فَوجه الذَّم مَا جهلا)