للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَالم الصَّالح الْوَرع تَقِيّ الدّين بن شمس الدّين السَّيِّد الحصني نفع الله بِهِ فَإِنَّهُ لَازمه سِنِين وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ صاحبنا الْفَاضِل أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّفَدِي إِمَام الدرويشية الْمُقدم ذكره وصاحبنا الأديب الْفَاضِل زين الدّين بن أَحْمد البصراوي وَغَيرهم وَله تحريرات ورسائل كَثِيرَة ووقفت لَهُ على تَحْرِير علقه على عبارَة الْغَزالِيّ الْمَشْهُورَة فَذَكرتهَا هُنَا لما فِيهَا من الْفَائِدَة والعبارة هِيَ قَوْله لَيْسَ فِي الْإِمْكَان أبدع مِمَّا كَانَ وَكَانَ بعض الطّلبَة سَأَلَهُ عَنْهَا فَأجَاب بِمَا نَصه اعْلَم أَيهَا الْأَخ أَن الْمحَال على قسمَيْنِ أَحدهمَا محَال لذاته وَالثَّانِي محَال لغيره فَإِن الْمُمكن قد يصير محالاً لغيره أَو وَاجِبا لغيره مِثَاله بعث الْمَوْتَى من قُبُورهم مُمكن فِي حد ذَاته لِأَنَّهُ إِذا خلى الْعقل وَنَفسه حكم بِجَوَازِهِ لَكِن لما أخبر سُبْحَانَهُ صَار وَاجِب الْوُقُوع بِالنّظرِ إِلَى خبر الله تَعَالَى لَا يتَخَلَّف عَدمه وَصَارَ محالاً لغيره بِهَذَا الِاعْتِبَار إِذا تقرر لَك هَذَا علمت أَن مَا قَالَه حجَّة الْإِسْلَام حق وإيضاحه إِنَّمَا هُوَ بعد أَن تعلم أَن علم الله تَعَالَى قديم وَأَنه تعلق فِي الْأَزَل بِأَن الْمُمكن الَّذِي وجد يُوجد فِي أَي زمَان وَفِي أَي مَكَان وعَلى أَي صفة وَحِينَئِذٍ فوقوعه على خلاف مَا تعلق بِهِ الْعلم محَال لغيره لِأَنَّهُ لَو وَقع على خلاف ذَلِك لزم انقلاب الْعلم جهلا وَأَنه محَال فِي حق الْحَكِيم الْخَبِير الْعَلِيم الْقَدِيم والإرادة وَالْقُدْرَة تعلقهما بالممكن إِنَّمَا يكون على وفْق تعلق الْعلم الْقَدِيم بِهِ وحينئذٍ تعلم أَن عدم إِمْكَان أبدع مِمَّا كَانَ لَيْسَ فِيهِ نِسْبَة الْجَهْل وَلَا نِسْبَة الْعَجز إِلَى الْملك الديَّان كَيفَ يظنّ ذَلِك بِحجَّة الْإِسْلَام الَّتِي مَلَأت معلوماته الدُّنْيَا بل عدم إِمْكَانه إِنَّمَا هُوَ لعدم تعلق الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة بِهِ لما يلْزم عَلَيْهِ من الْمحَال فَتدبر ذَلِك ينْدَفع عَنْك خيال أَوْهَام من لم يعلمُوا مواقع الْكَلَام وَلم يَذُوقُوا دقائق الْعُلُوم بل مطمح أنظارهم اعْتِرَاض أكَابِر الْعلمَاء والطعن على وَرَثَة الْأَنْبِيَاء كَأَنَّهُمْ صَارُوا لَهُم ضدّا فصرف الله تَعَالَى أذهانهم عَن الْوُصُول إِلَى غوامض الْمعَانِي وتمسكوا بظواهر المباني وَمن أجَاب بِأَن مَا مَوْصُولَة لم يُصَادف محلا لِأَن الْمَنْقُول عَن الإِمَام أَنه قَالَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَان إِلَى آخِره وَجَوَاب هَذَا الْمُجيب مَبْنِيّ على أَن كَلَام الْحجَّة مَا فِي الْإِمْكَان إِلَى آخِره وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا لَيْسَ كَمَا نَقله عَنهُ بعض الْمُتَأَخِّرين وَتكلم عَلَيْهِ بِكَلَام طَوِيل أَيْضا وقفت عَلَيْهِ بعد كتابتي مَا تقدم ورأيته نقل كَلَام الْحجَّة وَمن جملَة مَا نَقله أَن الْبذر الزَّرْكَشِيّ تكلم على هَذِه الْكَلِمَة فِي تَذكرته وَنقل كَلَام بعض من تقدمه فِيهَا هَذَا آخر مَا حَرَّره بفكره وَله ذيل نَقله عَن الإِمَام الْغَزالِيّ وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا التَّحْرِير لِكَثْرَة تداول النَّاس هَذِه الْعبارَة وَبِاللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>