(وَلم يَنْقَطِع ذكرى لايامنا الَّتِى ... تقضت بِأَرْض الشأم وهى بكم غر)
(وَكَيف وَقد كُنَّا جَمِيعًا بألفة ... وحاسدنا من غمَّة شفه الْقَهْر)
(واخواننا فى خفض عَيْش وكلنَا ... لفرط ائتلاف لَا يروعنا الذعر)
(وَلَكِن قضى هَذَا الزَّمَان بصدعنا ... وتشتيتنا صبرا على مَا قضى الدَّهْر)
(فَللَّه منا الْحَمد وَالشُّكْر دَائِما ... على المنن اللاتى يجل لَهَا الْحصْر)
(وَلَا زلت ترقى ذرْوَة الْعِزّ مَا شدا ... حمام على غُصْن وَمَا اكتمل الْبَدْر)
(وحن الى الاوطان كل مغرب ... مشوقا الى أهليه وانسكب الْقطر)
وقرأت بِخَطِّهِ مِمَّا نظمته ارتجالا وَقد جلس الى جانبى مليح من ملاح الشأم فى مَكَان مُرْتَفع وَكَانَ الْقَمَر فى تِلْكَ اللَّيْلَة فى حَالَة الابدار وَهُوَ مطل علينا فَقَالَ لى انْظُر الْبَدْر أمامك فَقلت لَهُ الْبَدْر أمامى على أى حَالَة فَخَجِلَ فَقلت منشدا
(وذى قوام رَشِيق ... دنا لبدر التَّمام)
(فَقَالَ والثغر مِنْهُ ... حَال بِحسن ابتسام)
(غَدا أمامك بدر ... فَقلت بدرى أمامى)
وأشعاره وأخباره كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته فى ثامن شعْبَان سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقابر الشِّيعَة فى بَاب الصَّغِير والطارانى نِسْبَة الى طارية وهى قَرْيَة من قرى بعلبك قدم مِنْهَا وَالِده الى دمشق ورأيته فى بعض مجاميعه ينتسب بالطيرانى بِالْيَاءِ ولعلها نِسْبَة على خلاف قِيَاس وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
عبد الْكَرِيم الواردارى مفتى الْحَنَفِيَّة بالشأم ومدرس السليمانية بهَا كَانَ من أهل الْعلم وَالدّين قدم الى دمشق صُحْبَة نائبها الْوَزير سِنَان باشا حِين وَليهَا بعد انْفِصَاله عَن الوزارة الْعُظْمَى فَرفع مرتبته حَتَّى صيره مفتيا فَأَقَامَ بِدِمَشْق سِنِين وَتزَوج بنت الشَّيْخ برهَان الدّين بن أدهم بن عبد الصَّمد وَكَانَ معلما لسنان باشا المومى اليه وَكَانَ كثير الصمت حسن السمت عَلَيْهِ مهابة الْعلم وسكينة الْفضل وَوَقع بَينه وَبَين الشَّمْس ابْن المنقار بِسَبَب مسئلة تحَالفا فِيهَا وَكَانَ ابْن المنقار يتبجح بِهَذِهِ الْقِصَّة وينشد
(أَنا صَخْرَة الوادى اذا هى زوحمت ... واذا نطقت فاننى الجوزاء)
فَكتب لَهُ عبد الْكَرِيم رِسَالَة لَطِيفَة قَالَ فِيهَا بلغنَا انكم حِينَئِذٍ تفخرون وتنشدون أَنا صَخْرَة الوادى وفى الحَدِيث الْمُؤمن هَين لين وَحج من دمشق ثمَّ عَاد اليها وَترك شعر رَأسه بعد حلق النّسك فَلم يحلقه ثمَّ صَار يضفره وَكَانَ مَقْبُولًا ثمَّ عزل عَن فَتْوَى