واستنسر البغاث وتثعبن الحفاث فتنافس النَّاس فِي الْعُلُوم وَكثر الحذاق بِجَمِيعِ الْفُنُون ثمَّ هم مَعَ ذَلِك فِي غَايَة التَّقْصِير وَنِهَايَة التَّفْرِيط من أجل أَن عُلَمَاء الْأَمْصَار دونوا فَضَائِل أمصارهم وخلدوا فِي الْكتب مآثر بلدانهم وأخبار الْمُلُوك والأمراء وَالْكتاب والوزراء والقضاة وَالْعُلَمَاء فابقوا لَهُم ذكرا فِي الغابرين يَتَجَدَّد على مر اللَّيَالِي وَالْأَيَّام ولسان صدق فِي الآخرين يتَأَكَّد مَعَ تصرف الأعوام وعلماؤكم مَعَ استظهارهم على الْعُلُوم كل امرىء مِنْهُم قَائِم فِي ظله لَا يبرح وراتب على كَعبه لَا يتزحزح يخَاف ان صنف ان يعنف وان الف ان يُخَالف وَلَا يؤالف أَو تخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق لم يتعب أحد مِنْهُم نفسا فِي جمع فَضَائِل أهل بَلَده وَلم يسْتَعْمل خاطره فِي مفاخر ملوكه وَلَا بل قَلما بمناقب كِتَابه ووزرائه وَلَا سود قرطاسا بمحاسن قُضَاته وعلمائه على أَنه لَو اطلق مَا عقل الاغفال من لِسَانه وَبسط مَا قبض الاهمال من بَيَانه لوجد لِلْقَوْلِ مساغا وَلم تضق عَلَيْهِ المسالك وَلم تخرج بِهِ الْمذَاهب وَلَا اشتبهت عَلَيْهِ المصادر والموارد وَلَكِن هم أحدهم أَن يطْلب شأو من تقدمه من الْعلمَاء ليحوز قصبات السَّبق ويفوز بقدح ابْن مقبل وَيَأْخُذ بكظم دَغْفَل وَيصير شجا فِي حلق أبي العميثل فَإِذا أدْرك بغيته واخترمته منيته دفن مَعَه ادبه وَعلمه فَمَاتَ ذكره وَانْقطع خَبره وَمن قدمنَا ذكره من عُلَمَاء الْأَمْصَار احْتَالُوا لبَقَاء ذكرهم احتيال الأكياس فالفوا دواوين بَقِي لَهُم بهَا ذكر مُجَدد طول الْأَبَد
فَإِن قلت إِنَّه كَانَ مثل ذَلِك من عُلَمَائِنَا وألفلوا كتبا لَكِنَّهَا لم تصل الينا فَهَذِهِ دَعْوَى لم يصحبها تَحْقِيق لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْننَا وَبَيْنكُم غير رَوْحَة رَاكب أَو رحْلَة قَارب لَو نفث من بلدكم مصدور