هذا وإن لم يكن فيه سهو، فإنه أورد كلاماً ناقصاً غير منسوب ولا مفسر، وهو أحوج كلام إلى التفسير؛ فيعلم مراده بقوله: إنه لا يحسن الرطانة، وبإنتفائه من السباحة، ومذهبه في قرقمة الكرم له.
وهذا الكلام لأبي الذيال شويش الأعرابي العدوي؛ قال: أنا ابن التاريخ، أنا والله العربي المحض؛ لا أرقع الجربان، ولا ألبس التبان؛ ولا أحسن الرطانة؛ وإني لأرسب من رصاصة، وما قرقمني إلا الكرم.
قوله: أنا ابن التاريخ: يعني أنه ولد سنة الهجرة، ويريد بجملة قوله إنه أعرابي بدوي محض، من أهل الوبر لا من أهل المدر ولا من أهل الأمصار التي تكون على الأرياف والأنهار، فهم يتعلمون فيها السباحة؛ وإنه لم يجاور العجم فيحسن رطانتهم، والأعرابي إذا قال: قدمت الريف، فإنما يريد الحضر، قال الأصمعي - رحمه الله -: قيل لذي الرمة: من أين عرفت الميم لولا صدق من نسبك إلى تعليم أولاد العرب في أكتاف الإبل؟ قال: والله ما عرفت الميم! إلا إني قدمت من البادية إلى الريف فرأيت الصبيان وهم يحوزون بالفجرم في الأوق؛ فقال غلام منهم: قد أزقتم هذه الأوقة فصيرتموها كالميم، فوضع منجمه في الأوقة فنجنجه فأفهقها، فعلمت أن الميم شيء ضيق، فشبهت به عين ناقتي وقد أسلهمت وأعيت. وأما قوله: وما قرقمني إلا الكرم، فإنه يعني أن أباه طلب المناكح الكريمة فلم يجدها إلا في أهله، فجاء ولده ضاوياً، ومنه الحديث:" اغتربوا لا تضووا " أي انكحوا في الغرائب؛ وقال الشاعر:
فتىً لم تَلِدْه بنتُ عمٍّ قريبةٌ ... فَيْضَوى وقد يَضْوَى رَِدُيد الغرائب
وقال آخر:
إِنّ بِلالاً لم تَشنْهُ أُمُّه ... لم يَتَنَاسَبْ خَالُهُ وعَمُّه