يقوى بِمثلِهِ لَيْسَ مَعَ الَّذِي يُخَالِفهُ مثله فَإِن لم يكن على وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ دلَالَة بِمَا وصفت كَانَ قَول الْأَئِمَّة أبي بكر أَو عمر أَو عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أرجح عندنَا من أحد لَو خالفهم غير إِمَام
وَذكر فِي مَوضِع آخر من هَذَا الْكتاب وَقَالَ فَإِن لم يكن على القَوْل دلَالَة من كتاب وَلَا سنة كَانَ قَول أبي بكر أَو عمر أَو عُثْمَان أَو عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أحب إِلَيّ أَن أَقُول بِهِ من قَول غَيرهم أَن خالفهم من قبل أَنهم أهل علم وحكام ثمَّ سَاق الْكَلَام إِلَى أَن قَالَ فَإِن اخْتلف الْحُكَّام استدللنا بِالْكتاب وَالسّنة فِي اخْتلَافهمْ فصرنا إِلَى قَول الَّذِي عَلَيْهِ الدّلَالَة من الْكتاب وَالسّنة وقلما يَخْلُو اخْتلَافهمْ من دَلَائِل كتاب أَو سنة وَإِن اخْتلف الْمفْتُون يَعْنِي من الصَّحَابَة بعد الْأَئِمَّة بِلَا دلَالَة فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ نَظرنَا إِلَى الْأَكْثَر فَإِن تكافأوا نَظرنَا إِلَى أحسن أقاويلهم مخرجا عندنَا وَإِن وجدنَا للمفتين فِي زَمَاننَا وَقَبله إِجْمَاعًا فِي شَيْء لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ تَبِعْنَاهُ وَكَانَ أحد طرق الْأَخْبَار الْأَرْبَعَة وَهِي كتاب الله تَعَالَى ثمَّ سنة نبيه ص ثمَّ قَول بعض الصَّحَابَة ثمَّ إِجْمَاع الْفُقَهَاء فَإِذا نزلت نازلة لم نجد فِيهَا وَاحِدَة من هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَخْبَار فَلَيْسَ السَّبِيل فِي الْكَلَام فِي النَّازِلَة إِلَّا اجْتِهَاد الرَّأْي
وَأخذ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ من مذْهبه وَمذهب صَاحبه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى وقف عَلَيْهِ وعَلى مَا احتجا بِهِ ثمَّ ناظره فِيمَا كَانَ يرى خِلَافه فِيهِ وَكَانَ يَقُول مَا كلمت أسود الرَّأْس أَعقل من مُحَمَّد بن الْحسن وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن يعظمه ويجله وَرجع إِلَى قَوْله فِي مسَائِل مَعْدُودَة وَكَانَ من مضى من عُلَمَاء الْمَدِينَة لَا يعْرفُونَ مَذَاهِب أهل الْكُوفَة وَكَانَ أهل الْكُوفَة يعْرفُونَ مَذْهَب أهل الْمَدِينَة فَكَانُوا إِذا الْتَقَوْا وَتَكَلَّمُوا رُبمَا انْقَطع الْمدنِي فَكتب الشَّافِعِي مذاهبهم ودلائلهم وَلم يخالفهم إِلَّا فِيمَا قويت حجَّته عِنْده وضعفت حجَّة الْكُوفِيّين فِيهِ وَكَانَ تكلم مُحَمَّد بن الْحسن وَغَيره على سَبِيل النصفة وَكَانَ يَقُول مَا ناظرت أحدا قطّ إِلَّا على النَّصِيحَة وَكَانَ يَقُول مَا ناظرت أحدا قطّ فَأَحْبَبْت أَن يخطىء وَكَانَ يَقُول مَا كلمت أحدا الا وَلم ابل يبين الله الْحق على لِسَانه
وَكَانَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل يَحْكِي عَن أَبِيه قَالَ قَالَ الشَّافِعِي أَنْتُم أعلم بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال مني فَإِذا كَانَ الحَدِيث الصَّحِيح فأعلموني بِهِ أَي شَيْء يكون كوفيا أَو بصريا أَو شاميا حَتَّى أذهب إِلَيْهِ إِذا كَانَ صَحِيحا
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَلِهَذَا كثر أَخذه بِالْحَدِيثِ وَهُوَ أَنه جمع علم أهل الْحجاز وَالشَّام واليمن وَالْعراق وَأخذ بِجَمِيعِ مَا صَحَّ عِنْده من غير مُحَابَاة مِنْهُ وَلَا ميل إِلَى مَا استحلاه من مَذْهَب أهل بَلَده مهما بَان لَهُ الْحق فِي غَيره وَمِمَّنْ كَانَ قبله من اقْتصر على مَا عهد من مَذَاهِب أهل بَلَده وَلم يجْتَهد فِي معرفَة صِحَة مَا خَالفه وَالله يغْفر لنا وَلَهُم