للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تظافر الْأَدِلَّة وتعاضدها وتناصرها من عادات أهل الْعلم قَدِيما وحديثا وَلَا يدل ذكرهم دَلِيلا ثَانِيًا وثالثا على أَن مَا ذَكرُوهُ قبله لَيْسَ بِدَلِيل

وَقد صرح الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد من رِوَايَة الرّبيع عَنهُ بِأَن قَول الصَّحَابَة حجَّة يجب الْمصير إِلَيْهِ فَقَالَ المحدثات من الْأُمُور ضَرْبَان أَحدهمَا مَا أحدث يُخَالف كتابا أَو سنة أَو إِجْمَاعًا أَو اثرا فَهَذِهِ الْبِدْعَة الضَّلَالَة وَالربيع إِنَّمَا أَخذ عَنهُ بِمصْر وَقد جعل مُخَالفَة الْأَثر الَّذِي لَيْسَ بِكِتَاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع ضَلَالَة وَهَذَا فَوق كَونه حجَّة انْتهى كَلَام صَاحب الْأَعْلَام بِطُولِهِ

قلت وَقد تقدم كَلَام الشَّافِعِي فِي كَون قَول الصَّحَابِيّ حجَّة إِن لم يُوجد كتاب وَلَا سنة فِي الْمَقْصد الثَّالِث فَرَاجعه

ولنختم الخاتمة بفوائد تتَعَلَّق بالفتوى

الأولى قَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله يَنْبَغِي للمفتي أَن يُفْتِي بِلَفْظ النَّص مهما أمكنه فَإِنَّهُ يتَضَمَّن الحكم وَالدَّلِيل مَعَ الْبَيَان التَّام فَهُوَ حكم مَضْمُون لَهُ الصَّوَاب مُتَضَمّن للدليل عَلَيْهِ فِي أحسن بَيَان وَقَول الْفَقِيه الْمعِين لَيْسَ كَذَلِك وَقد كَانَ الصَّحَابَة والتابعون وَالْأَئِمَّة الَّذين سلكوا على مناهجهم يتحرون ذَلِك غَايَة التَّحَرِّي حَتَّى خلف من بعدهمْ خلف رَغِبُوا عَن النُّصُوص واشتقوا لَهُم ألفاظا غير أَلْفَاظ النُّصُوص فَأوجب ذَلِك هجر النُّصُوص وَمَعْلُوم أَن تِلْكَ الْأَلْفَاظ لَا تفي مَا تفي بِهِ النُّصُوص من الحكم وَالدَّلِيل وَحسن الْبَيَان فتولد من هجران أَلْفَاظ النُّصُوص والإقبال على الْأَلْفَاظ الْحَادِثَة وَتَعْلِيق الْأَحْكَام بهَا على الْأمة من الْفساد مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله فألفاظ النُّصُوص عصمَة وَحجَّة بريئة من الْخَطَأ والتناقض والتعقيد وَالِاضْطِرَاب وَلما كَانَ هِيَ عصمَة الصَّحَابَة وأصولهم الَّتِي إِلَيْهَا يرجعُونَ كَانَت علومهم أصح من عُلُوم من بعدهمْ وخطؤهم فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ أقل من خطأ من بعدهمْ ثمَّ التابعون بِالنِّسْبَةِ إِلَى من بعدهمْ كَذَلِك وهلم جرا

وَلما استحكم هجران النُّصُوص عِنْد أَكثر أهل الْهوى والبدع كَانَت علومهم فِي مسائلهم وأدلتهم فِي غَايَة الْفساد وَالِاضْطِرَاب والتناقض

قد كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سئلوا عَن مَسْأَلَة يَقُولُونَ قَالَ الله تَعَالَى كَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَفعل كَذَا وَلَا يعدلُونَ عَن ذَلِك مَا وجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا قطّ فَمن تَأمل أجوبتهم وجدهَا شِفَاء لما فِي الصُّدُور فَلَمَّا طَال الْعَهْد وَبعد النَّاس من نور النُّبُوَّة صا وَهَذَا عَيْبا عِنْد الْمُتَأَخِّرين أَن يذكرُوا فِي أصُول دينهم وفروعهم قَالَ الله تَعَالَى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أصُول دينهم فصرحوا فِي كتبهمْ أَن قَول الله وَرَسُوله ص لَا يُفِيد الْيَقِين فِي مسَائِل أصُول الدّين وَإِنَّمَا يحْتَج بِكَلَام الله وَرَسُوله ص فِيهَا الحشوية والمجسمة والمشبهة وَأما فروعهم فقنعوا فِيهَا بتقليد من اختصر لَهُم بعض المختصرات الَّتِي لَا يذكر فِيهَا نَص عَن الله تَعَالَى وَلَا عَن رَسُوله ص وَلَا عَن

<<  <   >  >>