الإِمَام الَّذِي زَعَمُوا أَنهم قلدوه دينهم بل عمدتهم فِيمَا يفتون ويقضون بِهِ وينقلون بِهِ الْحُقُوق ويبيحون بِهِ الْفروج والدماء وَالْأَمْوَال على قَول ذَلِك المُصَنّف وأجلهم عِنْد نَفسه وزعيمهم عِنْد بني جنسه من يستحضر لفظ الْكتاب وَيَقُول هَكَذَا قَالَ وَهَذَا لَفظه فالحلال مَا أحل ذَلِك الْكتاب وَالْحرَام مَا حرمه وَالْوَاجِب مَا أوجبه وَالْبَاطِل مَا أبْطلهُ وَالصَّحِيح مَا صَححهُ هَذَا وأنى لنا بهؤلاء فِي مثل هَذَا الزَّمَان فقد دفعنَا إِلَى أَمر تضج مِنْهُ الْحُقُوق إِلَى الله ضَجِيجًا وتعج مِنْهُ الْفروج وَالْأَمْوَال والدماء إِلَى رَبهَا عجيجا تبدل فِيهَا الْأَحْكَام ويقلب الْحَلَال بالحرام وَيجْعَل فِيهِ الْمَعْرُوف فِي أَعلَى مَرَاتِب الْمُنْكَرَات وَالْمُنكر الَّذِي لم يشرعه الله وَرَسُوله من أفضل القربات الْحق فِيهِ غَرِيب وَأغْرب مِنْهُ من يعرفهُ وَأغْرب مِنْهُمَا من يَدْعُو إِلَيْهِ وَينْصَح بِهِ نَفسه وَالنَّاس قد فلق بهم فالق الإصباح صبحه من غياهب الظُّلُمَات وَأَبَان الطَّرِيق الْمُسْتَقيم من بَين تِلْكَ الطّرق الجائرات فَأرَاهُ بِعَين قلبه مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مَعَ مَا عَلَيْهِ اكثر الْخلق من الْبدع المضلات مَا رفع لَهُ علم الْهِدَايَة فشمر إِلَيْهِ ووضح لَهُ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فَقَامَ واستقام عَلَيْهِ فطوبى لَهُ من وحيد على كَثْرَة السكان غَرِيب على كَثْرَة الْجِيرَان بَين قوم رُؤْيَتهمْ قذى الْعُيُون وشجى الحلوق وكرب النَّفس وَحمى الْأَرْوَاح وغم الصُّدُور وَمرض الْقُلُوب إِن أنصفتهم لم تقبل طبيعتهم الْإِنْصَاف وَإِن طلبته مِنْهُم فَأَيْنَ الثريا من يَد الملتمس فقد انتكست قُلُوبهم وعمى عَلَيْهِم مطلوبهم رَضوا بالأماني وابتلوا بالحظوظ وحصلوا على الحرمان وخاضوا بحار الْعلم لَكِن بالدعاوي الْبَاطِلَة وشقاشق الهذيان وَلَا وَالله مَا ابتلت من وشله أَقْدَامهم وَلَا زكتْ بِهِ عُقُولهمْ وأحلامهم وَلَا ابْيَضَّتْ بِهِ لياليهم وأشرقت بنوره أيامهم وَلَا ضحِكت بِالْهدى وَالْحق مِنْهُ وُجُوه الدفاتر إِذا بَكت بمدادها أقلامهم أَنْفقُوا فِي غير شَيْء نفائس الأنفاس وأتعبوا أنفسهم وحيروا من خَلفهم من النَّاس ضيعوا الْأُصُول فحرموا الْوُصُول وأعرضوا عَن الرسَالَة فوقعوا فِي مهامه الْحيرَة وبيداء الضَّلَالَة
وَالْمَقْصُود أَن الْعِصْمَة مَضْمُونَة فِي أَلْفَاظ النُّصُوص ومعانيها فِي أتم بَيَان وَأحسن تَفْسِير وَمن رام إِدْرَاك الْهدى وَدين الْحق من غير مشكاتها فَهُوَ عَلَيْهِ غير يسير
الْفَائِدَة الثَّانِيَة حكم الله وَرَسُوله يظْهر على أَرْبَعَة أَلْسِنَة لِسَان الرَّاوِي ولسان الْمُفْتِي ولسان الْحَاكِم ولسان الشَّاهِد
فالراوي يظْهر على لِسَانه لفظ حكم الله وَرَسُوله والمفتي يظْهر على لِسَانه مَعْنَاهُ وَمَا استنبطه من اللَّفْظ وَالْحَاكِم يظْهر على لِسَانه الْإِخْبَار بِحكم الله وتنفيذه وَالشَّاهِد يظْهر على لِسَانه الْأَخْبَار بِالسَّبَبِ الَّذِي يثبت حكم الشَّارِع وَالْوَاجِب على هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أَن يخبروا بِالصّدقِ الْمُسْتَند إِلَى