فعجبا لمحتج بِهَذَا على تَقْلِيد الرِّجَال فِي دين الله وَهل صَار مَا سنه معَاذ سنة إِلَّا بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاتَّبعُوهُ كَمَا صَار الْأَذَان سنة لقَوْله ص وَإِقْرَاره وشرعه لَا بِمُجَرَّد الْمَنَام
فَإِن قيل فَمَا معنى الحَدِيث قيل مَعْنَاهُ أَن معَاذًا فعل فعلا جعله الله تَعَالَى لكم سنة وَإِنَّمَا صَار سنة لنا حِين أقره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا لِأَن معَاذًا فعله فَقَط وَقد صَحَّ عَن معَاذ أَنه قَالَ كَيفَ تَصْنَعُونَ بِثَلَاث دنيا تقطع أَعْنَاقكُم وزلة عَالم وجدال مُنَافِق بِالْقُرْآنِ فَأَما الْعَالم فَإِن اهْتَدَى فَلَا تقلدوه دينكُمْ إِلَى آخر مَا تقدم فِي الْمُقدمَة فصدع رَضِي الله عَنهُ بِالْحَقِّ وَنهى عَن التَّقْلِيد فِي كل شَيْء وَأمر بِاتِّبَاع ظَاهر الْقُرْآن وَأَن لَا يُبَالِي بِمن خَالف فِيهِ وَأمر بالتوقف فِيمَا أشكل وَهَذَا كُله خلاف طَرِيق المقلدين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
الْوَجْه الْأَرْبَعُونَ قَوْلكُم أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر بِطَاعَة أولي الْأَمر وهم الْعلمَاء وطاعتهم تقليدهم فِيمَا يفتون بِهِ فَجَوَابه إِن أولي الْأَمر قيل هم الْأُمَرَاء وَقيل هم الْعلمَاء وهما رِوَايَتَانِ عَن الإِمَام أَحْمد وَالتَّحْقِيق أَن الْآيَة تتَنَاوَل الطَّائِفَتَيْنِ وطاعتهم من طَاعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن خَفِي على المقلدين أَنهم إِنَّمَا يطاعون فِي طَاعَة الله إِذا أمروا بِأَمْر الله تَعَالَى وَرَسُوله ص فَكَانَ الْعلمَاء مبلغين لأمر الرَّسُول والأمراء منفذين لَهُ فَحِينَئِذٍ تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله وَرَسُوله فَأَيْنَ فِي الْآيَة تَقْدِيم آراء الرِّجَال على سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإيثار التَّقْلِيد عَلَيْهَا
الْوَجْه الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أَن هَذِه الْآيَة من أكبر الْحجَج عَلَيْهِم وَأَعْظَمهَا إبطالا للتقليد وَذَلِكَ من وُجُوه أَحدهَا الْأَمر بِطَاعَتِهِ الَّتِي هِيَ امْتِثَال أمره وَاجْتنَاب نَهْيه
الثَّانِي طَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يكون العَبْد مُطيعًا لله وَرَسُوله حَتَّى يكون عَالما بِأَمْر الله تَعَالَى وَرَسُوله وَمن أقرّ على نَفسه بِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْعلم بأوامر الله وَرَسُوله وَإِنَّمَا هُوَ مقلد فِيهَا لأهل الْعلم لم يُمكنهُ تَحْقِيق طَاعَة الله وَرَسُوله ص الْبَتَّةَ الثَّالِث أَن أولي الْأَمر قد نهوا عَن تقليدهم كَمَا صَحَّ ذَلِك عَن معَاذ بن جبل وعبد الله بن مَسْعُود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عَبَّاس وَغَيرهم من الصَّحَابَة وَذَكَرْنَاهُ عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم وَحِينَئِذٍ فطاعتهم فِي ذَلِك إِن كَانَت وَاجِبَة بَطل التَّقْلِيد وَإِن لم تكن وَاجِبَة بَطل الِاسْتِدْلَال الرَّابِع أَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فِي الْآيَة نَفسهَا {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} وَهَذَا صَرِيح فِي إبِْطَال التَّقْلِيد وَالْمَنْع من رد الْمُتَنَازع فِيهِ إِلَى رَأْي أَو مَذْهَب أَو تَقْلِيد