من كِتَابه كل من اتبعت قَوْله من غير أَن يجب عَلَيْك قَوْله لدَلِيل أوجب ذَلِك فَأَنت مقلده والتقليد فِي دين الله غير صَحِيح وكل من أوجب عَلَيْك دَلِيل اتِّبَاع وَقَوله فَأَنت متبعه والاتباع فِي الدّين مسوغ والتقليد مَمْنُوع
وَذكر مُحَمَّد بن حَارِث فِي أَخْبَار سَحْنُون بن سعيد عَن سَحْنُون قَالَ كَانَ مَالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سَلمَة وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار وَغَيرهم يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْن هُرْمُز فَكَانَ إِذا سَأَلَهُ مَالك وعبد العزيز أجابهما وإذاسأله ابْن دِينَار وذووه لَا يُجِيبهُمْ فتعرض لَهُ ابْن دِينَار يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بكر بِمَا تستحل مني مَالا يحل لَك قَالَ لَهُ يَا ابْن أخي وَمَا ذَاك قَالَ يَسْأَلك مَالك وعبد العزيز فتجيبهما واسألك أَنا وَذَوي فَلَا تجيبنا فَقَالَ أوقع ذَلِك يَا ابْن أخي فِي قَلْبك قَالَ نعم قَالَ إِنِّي كَبرت سني ورق عظمي وَأَنا أَخَاف أَن يكون خالطني فِي عَقْلِي مثل الَّذِي خالطني فِي بدني وَمَالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إِذا سمعا مني حَقًا قبلاه وَإِذا سمعا خطأ تركاه وَأَنت وذووك مَا أجبتكم قبلتموه فَقَالَ مُحَمَّد ابْن حَارِث هَذَا وَالله هُوَ الدّين الْكَامِل وَالْعقل الرَّاجِح لَا كمن يَأْتِي بالهذيان وَيُرِيد أَن ينزل من الْقُلُوب منزلَة الْقُرْآن وَقد أجمع الْعلمَاء أَن مالم يتَبَيَّن ويستيقن فَلَيْسَ بِعلم وَإِنَّمَا هُوَ ظن وَالظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا وَقد مضى فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَلَا خلاف بَين أَئِمَّة الْأَمْصَار فِي فَسَاد التَّقْلِيد فأغنى ذَلِك عَن الْإِكْثَار
وبسندنا إِلَى أبي عمر بن عبد البر حَدثنَا عبد الرحمن بن يحيى ثَنَا أَحْمد بن سعيد ثَنَا إِسْحَق بن ابراهيم بن نعْمَان ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مَرْوَان حَدثنَا أَبُو حَفْص حَرْمَلَة بن يحيى ثَنَا عبد الله بن وهب حَدثنَا يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي أَبُو عُثْمَان بن سنة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْعلم بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بَدَأَ فطوبى يَوْمئِذٍ للغرباء
قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن مران وحَدثني سعيد بن دَاوُد بن أبي زنبر ثَنَا مَالك بن أنس عَن زيد بن أسلم فِي قَول الله عز وَجل {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَالَ بِالْعلمِ وبسندنا إِلَى أبي عمر ثَنَا خلف بن قَاسم ثَنَا الْحسن بن رَشِيق ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يُونُس ثَنَا عَليّ بن عبد العزيز ثَنَا زَكَرِيَّا بن عبد الله حَدثنَا الحنيني عَن كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بدأفطوبى للغرباء قيل يَا رَسُول الله وَمن الغرباء قَالَ الَّذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله وَكَانَ يُقَال الْعلمَاء غرباء لِكَثْرَة الْجُهَّال انْتهى كَلَام الْحَافِظ أبي عمر بن عبد البر بِطُولِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَقَاصِد إِن شَاءَ الله تَعَالَى مزِيد بَيَان لفساد التَّقْلِيد ولنختم الْمُقدمَة بِبَاب الحض على لُزُوم السّنة والاقتصار عَلَيْهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم