للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاخْتلف فِي تَقْلِيد الْمَيِّت وَالصَّحِيح أَنه يرجع إِلَيْهِ عِنْد الْحَاجة وَالْعجز عَمَّا فَوْقه فَإِذا صَحَّ نقل كتابي عَمَّن سلف من أهل الْعلم وَرَوَاهُ عَنهُ ثِقَة ثمَّ نزلت بِهِ نازلة فِي بادية وعسر عَلَيْهِ الْوُصُول إِلَى مَوَاطِن الْفُقَهَاء وَخَافَ فَوَات النَّازِلَة مثل أَن ينسى التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة اَوْ مَعَه امْرَأَة لَيست محرما وَلَا يدْرِي مَا يصنع لَهُ يغسلهَا اَوْ يتيممها أَو غير ذَلِك فَإِنَّهُ يعْمل بِمَا يجده فِي كتاب الْمُصَحح وَإِن قلد مَيتا فَهُوَ أولى من اتِّبَاع هَوَاهُ بِغَيْر علم لِأَن مَا يجده فِي صَحِيفَته أصل وَمَا قيل بِعلم فَهُوَ أولى من اتِّبَاع الْهوى وَإِنَّمَا نقُول نفس الْمُقَلّد لَيست على بَصِيرَة وَلَا يَتَّصِف من الْعلم بِحَقِيقَة إِذْ لَيْسَ التَّقْلِيد بطرِيق إِلَى الْعلم بوفاق أهل الْآفَاق وَإِن نوزعنا فِي ذَلِك برهانه فَنَقُول قَالَ الله تَعَالَى {فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} وَقَالَ {لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} وَقَالَ {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ {وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} وَمَعْلُوم أَن الْعلم هُوَ معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ فَنَقُول للمقلد إِذا اخْتلفت الْأَقْوَال وتشعبت الْمذَاهب من أَيْن تعلم صِحَة قَول من قلدته دون غَيره أَو وَصِحَّة قَوْله لَهُ على قولة أُخْرَى وَلَا يُبْدِي كلَاما فِي قَول إِلَّا انعكس عَلَيْهِ فِي نقيضه سِيمَا إِذا عرض لَهُ ذَلِك فِي قولة لإِمَام مذْهبه الَّذِي قَلّدهُ وقولة يُخَالِفهَا لبَعض أَئِمَّة الصَّحَابَة وتتبع الطلبات وَلَا يبْقى لَهُ محصول

فَإِن قيل هَذَا ينعكس عَلَيْكُم فِيمَا تظنونه عِنْد جَرَيَان الْقيَاس فَمن أَيْن تعلمُونَ أَنه الْحق وَالظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا

قُلْنَا نَحن نقطع ونتيقن بِمَا ذَكرْنَاهُ من تعَارض الصَّحَابَة أَن الْعَمَل يجب عِنْد قيام الظَّن الْمُسْتَند إِلَى وضع الشَّرِيعَة فَالْعَمَل إِذا عِنْد الظَّن لَيْسَ بِمُجَرَّد الظَّن وَلَكِن بِدَلِيل سَابق مَقْطُوع بِهِ وَبَيَانه بالمثال أَن الْحَاكِم يتَيَقَّن أَنه يجب عَلَيْهِ الحكم إِذا ثَبت لَهُ الظَّن عِنْد قيام الْبَيِّنَة فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة وَوَجَب الحكم اسْتندَ وُجُوبه إِلَى قَطْعِيّ وَلَكِن ظُهُور الْعَمَل بالقطعي إِنَّمَا هُوَ عِنْد قيام الظَّن فِي الثَّانِي كَذَا فِي الْفَتْوَى وَجب الْعَمَل عِنْد قيام الظَّن مُسْتَندا إِلَى الدَّلِيل الْقطعِي السَّابِق فافهمه

أما التَّقْلِيد فَهُوَ قبُول قَول الْغَيْر من غير حجَّة فَمن أَيْن يحصل بِهِ علم وَلَيْسَ لَهُ مُسْتَند إِلَى قطع وَهُوَ أَيْضا فِي نَفسه بِدعَة محدثة لأَنا نعلم بِالْقطعِ أَن الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم لم يكن فِي زمانهم وعصرهم مَذْهَب لرجل معِين يدرس ويقلد وَإِنَّمَا كَانُوا يرجعُونَ فِي النَّوَازِل إِلَى الْكتاب وَالسّنة وَإِلَى مَا يتمحض بَينهم من النّظر عِنْد فقد الدَّلِيل إِلَى القَوْل وَكَذَلِكَ تابعوهم أَيْضا كَانُوا

<<  <   >  >>