وَكَذَلِكَ أَبُو بكر فَإِنَّهُ قَالَ للجدة مَا علمت لَك فِي كتاب الله تَعَالَى نَصِيبا وَلَا فِي السّنة حَتَّى روى لَهُ الحَدِيث فِيهَا وَلَقَد كَانَ مَالك وَأَبُو حنيفَة ونظراؤهم غير متبحرين فِي علم الغة والنحو حَتَّى نقل عَن بَعضهم فِي ذَلِك مَالا يخفى مثله نعم لَا بُد أَن يُوجد من كل قرن أوفر حَظّ وَقد برع الْأَئِمَّة فِي ذَلِك بِسَهْم لما رَأَوْهُ أَنه لَا بُد لمن يتجرد فِي طلب الْعلم من معرفَة أُصُوله وفروعه وَوجه ارتباط فروعه بأصوله وإلحاق مَسْأَلَة بِأُخْرَى وقطعها عَن أُخْرَى وترجيح الْأَدِلَّة عِنْد تعارضها وجمعوا لذَلِك مسَائِل نظرية تشْتَمل على سَائِر فنون مسَائِل الْفُرُوع من مسَائِل الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَسَائِر الْعِبَادَات ثمَّ الْمُعَامَلَات من الْبيُوع والأنكحة والأقضية والشهادات والجراحات ومسائل الْجِنَايَات والتوارث وَغير ذَلِك ورسموها بِذكر الْخلاف بَين الْمذَاهب الْمَشْهُورَة فِي مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى فَذكرُوا فِي كل مَسْأَلَة كل مَا ورد فِيهَا من الْكتاب على وُجُوه الِاحْتِجَاج بِهِ من نَص أَو ظَاهر أَو عَام أَو مَفْهُوم أَو دَلِيل خطاب وَالْكَلَام فِي نَاسخ ذَلِك ومنسوخه ومجمله ومبينه ومطلقه ومقيده وَظَاهره ومحتمله وصريحه وكنايته وَمَا حَظّ ذَلِك من جِهَة النَّحْو كالواو فِي الْجمع وَثمّ فِي التَّرْتِيب وَالْفَاء فِي التعقيب وَالْبَاء فِي التَّبْعِيض وَمَا حَظّ ذَلِك من جِهَة اللُّغَة حَقِيقَتهَا ومستعارها كاللمس فِي الْجِمَاع وَنَحْوه
ويذكرون ماجاء فِي السّنة من حَدِيث صَحِيح أَو مَشْهُور أَو مُضْطَرب أَو مُعَلل ويميزون دَرَجَات الْأَخْبَار وَوجه مُقَابلَة الْخَبَر بالْخبر وَالْآيَة بالْخبر وَكَيف يخص الْقُرْآن بِالسنةِ أَو يُقيد وترجيح نَص السّنة على ظَاهر الْقُرْآن وَغير ذَلِك من وُجُوه النّظر الَّتِي لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا إِلَّا بالجهد والكد فيدرك الطَّالِب بالتدريس والممارسة فِي أقرب زمَان ويذكرون حظها من جِهَة الْإِجْمَاع وموقع الْوِفَاق والمطالبة بتحقيق ذَلِك وَوَجهه
وَكَذَلِكَ يذكرُونَ حَظّ الْمَسْأَلَة من الِاعْتِبَار وترتيب درجاته من قِيَاس جلي أَو قِيَاس تقريب وترجيح الْعِلَل بَعْضهَا على بعض وَمَعْرِفَة مَا يُفْسِدهَا من نقض أَو كسر وَعدم تَأْثِير وَتَعْلِيق ضد الْمُقْتَضى وَفَسَاد اعْتِبَار ومقابلة الْجمع بِالْفرقِ وَغير ذَلِك من فنون صَارَت بَين الطّلبَة أَهْون من حِكَايَة الْغَزَوَات والسرايا وَأَقَامُوا لذَلِك مناظرات مباحثات صَارَت لَهُم ديدنا وصنعة حَتَّى يهون على أحدهم النّظر فِي مجلدة من مسَائِل النّظر وحفظها ومعرفتها ويصعب عَلَيْهِ حفظ كراس من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute