ثم أوضح -رحمه الله- أن لفظ المعية في اللغة -وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة- فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه، فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان، ويخض بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد. نفس المصدر ص ١٢٨. وإذا كان هذا هو مذهب السلف في المعية المتفق جملة وتفصيلا مع الكتاب والسنة والعقل والفطرة، فإنه من المناسب أن تعلم أخي القارئ أن مذهب القائلين بالحلول من الجهمية، أو القائلين بوحدة الوجود من الصوفية، قد صوروا معية الله بأقبح صورة، واختاروا لها أرذل معنى، تعالى الله عما يقولون ويعتقدون علوا كبيرا. يقول العلامة محمد حامد الفقي في تعليقه على كتاب الشريعة للآجري: الذين يقولون -فبحهم الله وأخزاهم-: إن ربهم حال في كل شيء، لأنه عندهم المادة الأولى التي انبثق منها وتولد كل شيء، وضربوا له المثل بالنواة خرجت منها النخلة، وبالخشبة الخام خرج منها الأبواب والكرسي والشبابيك وغيرها، فعندهم -لعنهم الله- أن هذا الوجود علوية وسفلية، طيبة وخبيثة، هو أسماء ربهم وصفاته، وأنه مجالي ومظاهر له -سبحان ربنا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا- ولهذا يقول لسانهم الناطق ابن عربي الحاتمي: عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا أعتقد كل ما اعتقدوه ويقول: العبد رب والرب عبد فليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب، أنى يكلف ثم أورد -رحمه الله- كلام عبد الغني النابلسي الذي يقول: إن ذلك الوجود المحض -الذي هو الحق تعالى- هو حقيقة جميع الموجودات، فهو وجودها الذي هي موجودة به، لا وجود لها غيره تعالى، وهو باطنها الذي هو غيب مطلق، وإنه لا تخلو عنه جميع الكائنات، ولذلك الوجود الحق مراتب. ثم ذكر هذه المراتب السبع، وقال في نهايتها: فذه سبع مراتب، الأولى: مرتبة اللاظهور، والستة الباقية هي مراتب الظهور ومشاهدة جميع الموجودات، حاصلة له تعالى عند اندراج الكل في بطون ذاته ووجدته، وهي المشاهدة في نفسه تعالى لجميع الشؤون والمخلوقات في ذاته تكون شهودا غيبيا،