للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَنْبَسِ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ بِالْقَدَرِ، فَقَالَ: يُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ، لَئِنْ أَخَذْتُ بشعر أحدهم لأنصونه (١) ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَخَلَقَ الْخَلْقَ، وَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ فُرِغَ مِنْهُ (٢) .


(١) لأنصونه: أي لأخذن بناصيته، يقال: تناصى القوم تآخذوا بالنواصي في الخصومة. انظر: اللسان، مادة: "نصا". والنواصي جمع ناصية وهي شعر مقدمة الرأس. منال الطالب ص ٥٧.
وفي النسخ الأخرى: "لأنضونه"، ومعناه لأقطعنه وألقيه عنه.
(٢) أخرجه الآجري في الشريعة ص ٢٩٣، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (٦٦٠) ، ٢/٣٩٦. والدارمي في الرد على الجهمية ص ١٢، والذهبي في العلو ص ٤٨، وقال الألباني في المختصر ص ٩٥: صحيح الإسناد، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص ٧٠، وعزاه إلى الطبري في شرح السنة.
وفي هذا الحديث دلالة على وجوب الإيمان بالقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان التي نص عليها حديث جبريل المشهور.
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالف أفعال العباد، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر/ ٤٩، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} الفرقان/ ٢، وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه، ولا يرضاه ولا يحبه، فيشاؤه كونا، ولا يرضاه دينا.
وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، وإنما قالوا هذا لئلا يقولوا شاء الكفر من الكافر وعذبه عليه، ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإنهم هربوا من شيء فوقعوا في ما هو شر منه، فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، فإن الله شاء الإيمان منه -على قولهم- والكافر شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى!! وهذا من أقبح الاعتقاد، وهو قول لا دليل عليه، بل هو مخالف للدليل. انظر: شرح الطحاوية ص ٢١٥. والخوض في القدر من الأمور الخطيرة التي نهى السلف عنها، لأن القدر سر الله في خلقه، فلا يجوز التعمق فيه، والسلامة في الإيمان به جملة، وعدم الخوض في جزئياته التي خاض فيها المبتدعة، فوقعوا في الزيغ والضلال. راجع المزيد من الكلام في مسائل القدر ومناقشة القدرية في مذاهبهم: كتاب الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري ص ٣٩-٦٤، وكتاب القدر للإمام ابن تيمية -رحمه الله- ضمن مجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>