للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قَالُوا: حَدِيثَانِ مُتَدَافِعَانِ مُتَنَاقِضَانِ

٤٢- مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ:

قَالُوا: رُوِّيتُمْ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ، إِذَا لَمَّ يَتْرُكْ وَفَاءً لدينِهِ" ١.

ثُمَّ رُوِّيتُمْ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ" ٢.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ "مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ" ٣.

يَعْنِي: عِيَالًا فُقَرَاءَ، وَأَطْفَالًا لَا كَافِلَ لَهُمْ.

فَكَيْفَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ، عَلَى مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ قَضَاءَ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِ وَلَدِهِ وَعِيَالِهِ بَعْدَهُ؟ وَهَذَا تَنَاقُضٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا -بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى- تَنَاقُضٌ، لِأَنَّ تَرْكَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَدِينِ، إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِدَيْنِهِ، كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، قَبْلَ أَنْ يُفْتَحَ عَلَيْهِ الْفُتُوحُ، وَيَأْتِيَهِ الْمَالُ.

وَأَرَادَ أَنْ لَا يَسْتَخِفَّ النَّاسُ بِالدّينِ، وَلَا يَأْخُذُوا مَالا يَقْدِرُونَ عَلَى قَضَائِهِ.

فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَفَتَحَ لَهُ الْفُتُوحَ، وَأَتَتْهُ الْأَمْوَالُ، جَعَلَ لِلْفُقَرَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ نَصِيبًا فِي الْفَيْءِ، وَقضى مِنْهُ دين الْمُسلم.


١ البُخَارِيّ: كتاب ٣٨ بَاب ٣، وَكتاب ٣٩ بَاب ٣ و٥ وَكتاب ١٩ بَاب ١٥.
وَأَبُو دَاوُد: كتاب ٢٢ بَاب ٩، وَسنَن ابْن ماجة: كتاب ١٥ بَاب ٩، وَسنَن الدَّارمِيّ: كتاب ١٨ بَاب ٥٣، وَأحمد: ٢/ ٢٩٠، ٣٨٠، ٣٩٩، ٤٥٣، ٣/ ٣٣٠، ٤/ ٤٧، ٥٠، ٥/ ٢٩٧.
٢ البُخَارِيّ: فَرَائض ٤، وَمُسلم: جُمُعَة ٤٣، فَرَائض ١٤-١٧، وَأَبُو دَاوُد: بُيُوع٩، وَالتِّرْمِذِيّ: فَرَائض ١، جنائز٦٩، وَالنَّسَائِيّ: جنائز ٦٧، وَابْن ماجة: مُقَدّمَة ٧ صدقَات ١٣ فَرَائض ٩.
٣ البُخَارِيّ: نفقات ١٥، وَمُسلم: فَرَائض ١٥-١٧، أَبُو دَاوُد: بُيُوع٩، وَالتِّرْمِذِيّ: فَرَائض ١، وَابْن ماجة: فَرَائض ٩، ١٣.

<<  <   >  >>