للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَاعْترفت، فَرَجَمَهَا.

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ قَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ، وَلَا فِي مَجَالِسَ.

وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَنحن نقُول: إِنَّه لَيْسَ هَهُنَا -بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى- اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَاقُضٌ، لِأَنَّ إِعْرَاضَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ مَاعِزٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، إِنَّمَا كَانَ كَرَاهِيَةً مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، وَهَتْكِهِ سِتْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، لَا لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.

وَأَرَادَ أَيْضًا أَنْ يَسْتَبْرِئَ أَمْرَهُ، وَيَعْلَمَ: أَصَحِيحٌ هُوَ؟ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟

فَوَافَقَ مَا أَرَادَ مِنَ اسْتِبْرَائِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.

وَلَوْ وَافَقَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا أَوْ سِتًّا، مَا كَانَ فِيهِ بَيِّنَةٌ تَلْزَمُ.

وَيَدُلُّ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِإِقْرَارِ الزَّانِي عِنْدَهُ بِالزِّنَا، رِوَايَةُ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي رَجُلٍ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" ١.

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَافَ، قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْبَعِ وَأَقَلَّ -إِذَا زَالَتِ الشُّبْهَةُ فِي أَمْرِ الْمُقِرِّ- حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ.

فَدَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا، فَإِذا وضعت حملهَا،


١ الْمُوَطَّأ: حُدُود ١٢.

<<  <   >  >>