للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْأَنْبِيَاء- لَا نُورَثُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ:

{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} ؛ لِأَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُرِدْ: "يَرِثُنِي مَالِي"، فَيَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ.

وَأَيُّ مَالٍ كَانَ لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَضِنُّ بِهِ عَنْ عَصَبَتِهِ، حَتَّى يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا يَرِثُهُ؟

لَقَدْ جَلَّ هَذَا الْمَالُ إِذًا، وَعَظُمَ -عِنْدَهُ- قَدْرُهُ وَنَافَسَ عَلَيْهِ مُنَافَسَةَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا الَّذِينَ لَهَا يَعْمَلُونَ، وَلِلْمَالِ يَكْدَحُونَ.

وَإِنَّمَا كَانَ زَكَرِيَّا بْنُ آذَنِ نَجَّارًا، وَكَانَ حَبْرًا كَذَلِكَ.

قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: وَكِلَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ.

زُهْدُ يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:

وَكَذَلِكَ الْمَشْهُورُ عَنْ يَحْيَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، وَلَا مَنَازِلُ يَأْوِيَانِ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانَا سَيَّاحَيْنِ فِي الْأَرْضِ.

وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ يَحْيَى لَمْ يَرِثْهُ مَالًا، أَنَّ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ -وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ- فَكَانَ يَخْدُمُ فِيهِ، ثُمَّ اشْتَدَّ خَوْفُهُ فَسَاحَ وَلَزِمَ أَطْرَافَ الْجِبَالِ وَغِيرَانَ الشِّعَابِ١.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَلَغَنِي عَنِ اللَّيْثِ٢ بْنِ سعد عَن بن لَهِيعَةَ٣ عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: دَخَلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بَيت


١ غيران: مَعَ غَار وَهُوَ الفجوة فِي الْجَبَل المنخفض فِيهِ أَو كل مطمئن من الأَرْض أَو الْحجر يأوي إِلَيْهِ الوحشي.
٢ اللَّيْث بن سعد بن عبد الرَّحْمَن، ك ولد عَام ٩٤هـ، وَهُوَ إِمَام أهل مصر فِي عصره حَدِيثا وفقهًا، أَصله من خُرَاسَان، ومولده فِي قلقشنده، ووفاته فِي الْقَاهِرَة ١٧٥هـ، وَكَانَ من الكرماء الأجواد. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: اللَّيْث أفقه من مَالك إِلَّا أَن أَصْحَابه لم يقومُوا بِهِ.
٣ هُوَ عبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة الْحَضْرَمِيّ الغافقي المصرىي، قَاضِي مصر وعالمها، قَالَ أَحْمد: احترقت كتبه فَمن كتب عَنهُ قَدِيما فسماعه صَحِيح، مَاتَ سنة ١٧٤هـ.

<<  <   >  >>