للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} يَعْنِي الْمُسْلِمَاتِ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} يَعْنِي الْعَبِيدَ {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} ١، يَعْنِي مَنْ يَتْبَعُ الرَّجُلَ وَيَكُونُ فِي حَاشِيَتِهِ كَالْأَجِيرِ، وَالْمَوْلَى، وَالْحَلِيفِ، وَأَشْبَاهِ هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ يَخْلُو "سَالِمٌ" مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فِي النِّسَاءِ.

وَلَعَلَّهُ كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْقِبْ، أَوْ يَكُونُ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، مِنَ الْوَرَعِ وَالدِّيَانَةُ وَالْفَضْلِ، وَمَا خَصَّهُ بِهِ، حَتَّى رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ أَهْلًا لِأُخُوَّةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَأْمُونًا عِنْدَهُ، بَعِيدًا عَنْ تَفَقُّدِ النِّسَاءِ وَتَتَبُّعِ مَحَاسِنِهِنَّ بِالنَّظَرِ.

وَقَدْ رُخِّصَ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُسْفِرْنَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَتِهِنَّ لِلْقَاضِي وَالشُّهُودِ، وَصُلَحَاءِ الْجِيرَانِ. وَرُخِّصَ لِلْقَوَاعِدِ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُنَّ الطَّاعِنَاتُ فِي السِّنِّ، أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ، غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ.

وَقَدْ كَانَ "سَالِمٌ" يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَتَرَى هِيَ الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَلَوْلَا أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ جَائِزًا مَا دَخَلَ، وَلَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَنْهَاهُ.

فَأَرَادَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بِمَحَلِّهَا عِنْدَهُ، وَمَا أَحَبَّ مِنَ ائْتِلَافِهِمَا، وَنَفْيِ الْوَحْشَةِ عَنْهُمَا -أَنْ يُزِيلَ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ، وَيُطَيِّبَ نَفْسَهُ بِدُخُولِهِ فَقَالَ لَهَا: "أَرْضِعِيهِ"، وَلَمْ يُرِدْ: ضَعِي ثَدْيَكِ فِي فِيهِ، كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَطْفَالِ، وَلَكِنْ أَرَادَ: احْلِبِي لَهُ مِنْ لَبَنِكِ شَيْئًا، ثُمَّ ادْفَعِيهِ إِلَيْهِ لِيَشْرَبَهُ.

لَيْسَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِسَالِمٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ثَدْيَيْهَا، إِلَى أَنْ يَقَعَ الرَّضَاعُ، فَكَيْفَ يُبِيحُ لَهُ، مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَمَا لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ مِنَ الشَّهْوَةِ؟

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُرْضِعُهُ، وَهُوَ كَبِيرٌ؟! فَضَحِكَ وَقَالَ: "أَلَسْتُ أَعْلَمُ أَنه كَبِير"؟


١ الْآيَة: ٣١ من سُورَة النُّور.

<<  <   >  >>