للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ليوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ نِصْفَ ذَلِكَ الْحُسْنِ، وَنِصْفَ ذَلِكَ الْكَمَالِ.

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ لِغَيْرِهِ ثُلُثَهُ، وَلِآخَرَ رُبُعَهُ، وَلِآخَرَ عُشْرَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِآخَرَ مِنْهُ شَيْئًا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ أُعْطِيَ نِصْفَ الشَّجَاعَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنَّ يَكُونَ أُعْطِيَ نِصْفَهَا، وَجُعِلَ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمُ النِّصْفَ الْآخَرَ.

وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى؛ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُعْطِيَ نِصْفَ الشَّجَاعَةِ، يُقَاوِمُ الْعِبَادَ جَمِيعًا وَحْدَهُ.

وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: أَنْ لِلشَّجَاعَةِ حَدًّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُعْطِي غَيْرَهُ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْطِي لِآخَرَ الثُّلُثَ، أَوِ الرُّبُعَ، أَوِ الْعُشْرَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَيْفَ يَشْتَرُونَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وَيَكُونُونَ أَيْضًا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنَ الْحُسْنِ؟

فَإِنَّ الْحُسْنَ إِذَا كَانَ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، لَا يَتَفَاوَتُ التَّفَاوُتَ الَّذِي ظَنُّوهُ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مُقَارِبًا لِمَا عَلَيْهِ الْحِسَانُ الْوُجُوهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ نَزَعَ فِي الْحُسْنِ إِلَى سَارَّةَ، وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا تَأَوَّلْنَاهُ فِي نِصْفِ الْحُسْنِ.

فَإِنِ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًَا وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} ١.

وَقَالُوا: لَمْ يُقَطِّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ حِينَ رَأَيْنَهُ، وَلَمْ يَقُلْنَ إِنَّهُ مَلَكٌ كَرِيمٌ، إِلَّا لِتَفَاوُتِ حُسْنِهِ، وَبُعْدِهِ مِمَّا عَلَيْهِ حُسْنُ النَّاسِ.

قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ: إِنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ بقول النسْوَة، أَن امْرَأَة الْعَزِيز


١ الْآيَة: ٣٠ من سُورَة يُوسُف.

<<  <   >  >>