للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ يَعَضُّ، فَتَكُونُ عَضَّتُهُ كَعَضَّةِ الْكَلْبِ الْكَلِبَ١ فِي الْمَضَرَّةِ، أَوْ كَنَهْشَةِ الْأَفْعَى، لَا يَسْلَمُ جَرِيحُهَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ تَلْسَعُهُ الْعَقْرَبُ، فَلَا تُؤْذِيهِ وَتَمُوتُ الْعَقْرَبُ.

وَقَدْ جِيءَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ٢ بِأَسْوَدَ٣ مِنْ بَعْضِ الْبَوَادِي يَأْكُلُ الْأَفَاعِيَ، وَهِيَ أَحْيَاءُ، وَيَتَلَقَّاهَا بِالنَّهْشِ مِنْ جِهَةِ رؤوسها وَيَأْكُل بن عُرْسٍ، وَهُوَ حَيٌّ، وَيَتَلَقَّاهُ بِالْأَكْلِ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ.

وَأُتِيَ بِآخَرَ يَأْكُلُ الْجَمْرَ، كَمَا يَأْكُلُهُ الظَّلِيمُ٤ فَلَا يَمُضُّهُ٥ وَلَا يَحْرِقُهُ.

وَفُقَرَاءُ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يَبْعُدُونَ عَنِ الرِّيفِ، يَأْكُلُونَ الْحَيَّاتِ، وَكُلَّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنَ الْحَشَرَاتِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ الْأَبَارِصَ، وَلَحْمُهَا أَقْتَلُ مِنَ الْأَفَاعِي وَالتِّنِّينِ٦.

وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ:

وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ لِهَذَا خَالِصًا ... لَكُنْتُ عَبْدًا يَأْكُلُ٧ الْأَبَارِصَا

فَأَخْبَرَكَ أَنَّ الْعَبِيدَ يَأْكُلُونَهَا.

فَمَا الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي النَّاسِ ذُو طَبِيعَةٍ فِي نَفْسِهِ، ذَاتِ سُمٍّ وَضَرَرٍ؟

فَإِذَا نَظَرَ بِعَيْنِهِ، فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَاهُ، فَصَلَ مِنْ عَيْنِهِ فِي الْهَوَاءِ شَيْءٌ من


١ الْكَلْب: جنونك الْكلاب، وصياح من عضه فعقبره. "الْقَامُوس ١٦٩".
٢ المتَوَكل: الْخَلِيفَة العباسي جَعْفَر بن مُحَمَّد "ابْن المعتصم"، ولد بِبَغْدَاد ٢٠٦هـ، وَنقل مقرّ الْخلَافَة إِلَى دمشق ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد واغتيل فِيهَا سنة ٢٤٧هـ.
٣ بأسود: بِرَجُل أسود.
٤ الظليم: الذّكر من النعام، وتراب الأَرْض.
٥ يمضه: يؤلمه ويسيئه.
٦ التنين: حَيَّة عَظِيمَة.
٧ وَفِي نسختين "أكل" بِهَمْزَة ممدودة.

<<  <   >  >>