للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تِلْكَ الطَّبِيعَةِ أَوْ ذَلِكَ السُّمِّ، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْمَرْئِيِّ١ فَيُعِلُّهُ٢؟

وَقَدْ زَعَمَ صَاحِبُ الْمَنْطِقِ: "أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ حَيَّةً بِعَصَا، فَمَاتَ الضَّارِبُ، وَإِنَّ مِنَ الْأَفَاعِي مَا يَنْظُرُ إِلَى الْإِنْسَانِ، فَيَمُوتُ الْإِنْسَانُ بِنَظَرِهِ، وَمَا يُصَوِّتُ فَيَمُوتُ السَّامِعُ بِصَوْتِهِ"، فَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ.

وَقَدْ حُدِّثْنَا مَعَ هَذَا، عَنِ النَّضِرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ أَبِي خَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: "الْأَبْتَرُ مِنَ الْحَيَّاتِ، خَفِيفٌ أَزْرَقُ، مَقْطُوعُ الذَّنَبِ، يَفِرُّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا مَاتَ، وَلَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ حَامِلٌ إِلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَهُوَ الشَّيْطَانُ مِنَ الْحَيَّاتِ"، وَهَذَا قَوْلٌ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمَنْطِقِ.

أَفَمَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْحَيَّةَ إِذَا قَتَلَتْ مِنْ بُعْدٍ، فَإِنَّمَا تَقْتُلُ بِسُمٍّ فَصَلَ مِنْ عَيْنِهَا فِي الْهَوَاءِ، حَتَّى أَصَابَ مَنْ رَأَتْهُ؟

وَكَذَلِكَ الْقَاتِلَةُ بِصَوْتِهَا، تَقْتُلُ بِسُمٍّ فَصَلَ مِنْ صَوْتِهَا، فَإِذَا دَخَلَ السَّمْعَ، قَتَلَ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ مِثْلَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الَّذِي يَعْتَانُ٣.

وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا عَيُونًا، فَدُعِيَ عَلَيْهِ فَعَوِرَ.

وَكَانَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّيْءَ يُعْجِبُنِي، وَجَدْتُ حَرَارَةً تَخْرُجُ مِنْ عَيْنِي.

وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا الْقَوْلَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ الطَّامِثَ، تَدْنُو مِنْ إِنَاءِ اللَّبَنِ لِتُسَوِّطَهُ٤ وَهِيَ مُنَظِّفَةُ الْكَفِّ وَالثَّوْبِ؛ فَيَفْسَدُ اللَّبَنُ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِشَيْءٍ فَصَلَ عَنْهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَى اللَّبن.


١ فِي نسختين: "إِلَى الْمَرْء".
٢ فِي نسختين: "فيقتله".
٣ يعتان: يُصِيب بِالْعينِ، وَاسم الْفَاعِل مِنْهُ معيان وعيون: وَهُوَ شَدِيد الْإِصَابَة بِالْعينِ. "الْقَامُوس ١٥٧٢".
٤ لتسوطه: أَي لتخلطه، وَالسَّوْط: الْخَلْط بَين شَيْئَيْنِ فِي إِنَاء. "الْقَامُوس ٨٦٨".

<<  <   >  >>