للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العلم العام بين أهل المعرفة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى على أحد منهم أنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الهجرة وبعيدها ممنوعا عن الابتداء بالقتل والقتال ولهذا قال للأنصار الذين بايعوه ليلة العقبة لما استأذنوه في أن يميلوا على أهل منى "إنه لم يؤذن لي في القتال" وذلك حينئذ بمنزلة الأنبياء الذين لم يؤمروا بالقتال كنوح وهود وصالح وإبراهيم وعيسى بل كأكثر الأنبياء غير أنبياء بني إسرائيل.

ثم إنه لم يقاتل أحدا من أهل المدينة ولم يأمر بقتل أحد من رؤوسهم الذين كانوا يجمعونهم على الكفر ولا من غيرهم والآيات التي نزلت إذ ذاك إنما تأمر بقتال الذين أخرجوهم وقاتلوهم ونحو ذلك وظاهر هذا أنه لم يؤذن لهم إذ ذاك في ابتداء قتل الكافرين من أهل المدينة فإن دوام إمساكه عنهم يدل على استحبابه أو وجوبه وهو في الوجوب أظهر لما ذكرنا لأن الإمساك كان واجبا والمغير لحاله لم يشمل أهل المدينة فيبقى على الوجوب المتقدم مع فعله صلى الله عليه وسلم.

قال موسى بن عقبة عن الزهري: كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدوه قبل أن تنزل براءة يقاتل من قاتله ومن كف يده وعاهده كف عنه قال الله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} وكان القرآن ينسخ بعضه بعضا فإذا نزلت آية نسخت التي قبلها وعمل بالتي أنزلت وبلغت الأولى منتهى العمل بها وكان ما قد عمل بها قبل ذلك طاعة لله حتى نزلت براءة وإذا أمر بقتل هذه المرأة التي هجته ولم يؤذن له في قتل قبيلتها الكافرين علم

<<  <   >  >>