فحاصله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل البشر في جميع أحواله فما تركه من القول والفعل فتركه أكمل من فعله وما فعله ففعله أكمل من تركه فإذا كذب الرجل عليه متعمدا أو أخبر عنه بما لم يكن فذلك الذي أخبر عنه نقص بالنسبة إليه إذ لو كان كمالا لوجد منه ومن انتقص الرسول فقد كفر.
واعلم أن هذا القول في غاية القوة كما تراه لكن يتوجه أن يفرق بين الذي يكذب عليه مشافهة وبين الذي يكذب عليه بواسطة مثل أن يقول: حدثني فلان بن فلان عنه بكذا فهذا إنما كذب علي ذلك الرجل ونسب إليه ذلك الحديث فأما إن قال: "هذا حديث صحيح" أو ثبت عنه أنه قال ذلك عالما بأنه كذب فهذا قد كذب عليه أما إذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر لا سيما والصحابة عدول بتعديل الله لهم.
فالكذب لو وقع من أحد ممن يدخل فيهم لعظم ضرره في الدين فأراد صلى الله عليه وسلم قتل من كذب عليه وعجل عقوبته ليكون ذلك عاصما من أن يدخل في العدول من ليس منهم المنافقين ونحوهم.
وأما من روى حديثا يعلم أنه كذب فهذا حرام كما صح عنه أنه قال:" من روى عني حديثا يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين " لكن لا يكفر إلا أن ينضم إلى روايته ما يوجب الكفر لأنه صادق في أن شيخه حدثه به لكن لعلمه بأن شيخه كذب فيه لم تكن تحل له الرواية فصار بمنزلة أن يشهد على إقرار أو شهادة أو عقد وهو يعلم أن ذلك باطل فإن هذه الشهادة حرام لكنه ليس بشاهد زور.
وعلى هذا القول فمن سبه فهو أولى بالقتل ممن كذب عليه فإن الكاذب عليه قد زاد في الدين ما ليس منه وهذا قد طعن في الدين بالكلية وحينئذ