فإحداث أهل الذمة الطعن في الدين مخالفة بموجب العقد مخالفة تنافي ابتداءه فيجب انفساخ عقدهم بها وهذا بين لما تأمله وهو يوجب انفساخ العقد بما ذكرناه عند جميع الفقهاء ويتبين أن ذلك هو مقتضى قياس الأصول.
واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها من جهة المعنى في الذمي فأما المسلم إذا سب فلم يحتج أن يذكر فيه شيئا من جهة المعنى لظهور ذلك في حقه ولكون المحل محل وفاق ولكن سيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق الأمر فيه هل سبه ردة محضة كسائر الردد الخالية عن زيادة مغلظة أو هو نوع من الردة متغلظ بقتله على كل حال؟ وهل يقتل للسب مع الحكم بإسلامه أم لا؟ والله سبحانه أعلم.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} فأخبر أنا نسمع منهم الأذى الكثير ودعانا إلى الصبر على أذاهم وإنما يؤذينا أذى عاما الطعن في كتاب الله ودينه ورسوله وقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً} من هذا الباب.
قلنا: أولا: ليس في الآية بيان أن ذلك مسموع من أهل الذمة والعهد وإنما هو مسموع في الجملة من الكفار.
وثانيا: إن الأمر بالصبر على أذاهم وبتقوى الله لا يمنع قتالهم عند المكنة وإقامة حد الله عليهم عند القدرة فإنه لا خلاف بين المسلمين أنا إذا سمعنا مشركا أو كتابيا يؤذي الله ورسوله فلا عهد بيننا وبينه وجب علينا أن نقاتله ونجاهده إذا أمكن ذلك