للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا يدري ما يقولون فإذا خرجوا قالوا: لو كان نبيا لعذبنا واستجيب فينا وعرف قولنا فدخلوا عليه ذات يوم وقالوا: السام عليك ففطنت عائشة إلى قولهم وقالت: وعليكم السام والذام والداء واللعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مه يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ولا يحب الفحش ولا التفحش " فقالت: يا رسول الله ألم تسمع إلى ما قالوا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم ".

فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يظهر له أنه سب ولذلك نهى عائشة عن التصريح بشتمهم وأمرها بالرفق بأن ترد عليهم تحيتهم فإن كانوا قد حيوا تحية سيئة استجيب لنا فيهم ولم يستجب لهم فينا ولو كان ذلك من باب شبهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذي هو السب لكان فيه العقوبة ولو بالتعزير والكلام.

فلما لم يشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه التحية تعزيرا ونهى من أغلظ عليهم لأجلها علم أن ذلك ليس من السب الظاهر لكونهم أخفوه كما يخفي المنافقون نفاقهم ويعرفون في لحن القول فلا يعاقبون بمثل ذلك وسيأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى في ذلك.

الجواب الثالث: أن قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له ألا نقتله لما أخبرهم أنه قال السام عليكم دليل على أنه كان مستقرا عندهم قتل الساب من اليهود لما رأوه قتل ابن الأشرف والمرأة وغيرهما فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله وأخبرهم أن مثل هذا الكلام حقه أن يقابل بمثله لأنه ليس إظهارا للسب والشتم من جنس ما فعلت تلك اليهودية وابن الأشرف وغيرهما وإنما هو إسرار به كإسرار المنافقين بالنفاق.

<<  <   >  >>