قال الإمام أحمد في الذي يمنع الجزية: إن كان واجدا أكره عليها وأخذت منه وإن لم يعطها ضربت عنقه وذلك لأن الله تعالى أمر بقتالهم إلى أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والإعطاء له مبتدأ وتمام فمبتدأه الالتزام والضمان ومنتهاه الأداء والإعطاء ومن الصغار جريان أحكام المسلمين عليهم فمتى لم يتم إعطاء الجزية أو أعطوها وليسوا بصاغرين فقد زالت الغاية التي أمرنا بقتالهم إليها فيعود القتال ولأن حقن دمائهم إنما ثبت ببذل الجزية والتزام جريان أحكام الإسلام عليهم فمتى امتنعوا منه وأتوا بضده صاروا كالمسلم الذي ثبت حقن دمه بالإسلام إذا امتنع منه وأتى بكلمة الكفر.
وعلى ما ذكره الإمام أحمد فلا بد أن يمتنع من ذلك على وجه لا يمكن استيفاؤه منه مثل أن يمتنع من حق بدني لا يمكن فعله ونيابة عنه دائما أو يمتنع من أداء الجزية ولعيب ماله كما قلنا في المسلم إذا امتنع من الصلاة أو الزكاة فأما إن قاتل الإمام على ذلك فذلك هو الغاية في انتقاض العهد كمن قاتل على ترك الصلاة أو الزكاة.
وأما القسم الثاني وهو ما يجب عليهم تركه فنوعان: أحدهما ما فيه ضرر على المسلمين والثاني ما لا ضرر فيه عليهم والأول قسمان أيضا: أحدهما ما فيه ضرر على المسلمين في أنفسهم وأموالهم: مثل أن يقتل مسلما أو يقطع الطريق على المسلمين أو يعين على قتال المسلمين أو يتجسس للعدو بمكاتبه أو كلام أو إيواء عين من عيونهم أو يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح والقسم الثاني ما فيه أذى وغضاضة عليهم: مثل أن يذكر الله أو كتابه أو رسوله أو دينه بالسوء والنوع الثاني ما لا ضرر فيه عليهم: مثل إظهار أصواتهم بشعائر دينهم من الناقوس والكتاب ونحو ذلك ومثل مشابهة المسلمين في هيآتهم ونحو ذلك وقد تقدم القول في انتقاض العهد بكل واحد من هذه الأقسام