فهذه الآية وإن كانت نزلت في أهل الهدنة فعمومها لفظا ومعنى يتناول كل ذي عهد على ما لا يخفى وقد أمر سبحانه بالمقاتلة حيث وجدناهم فعم ذلك مأمنهم وغير مأمنهم ولأن الله تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فمتى لم يعطوا الجزية أو لم يكونوا صاغرين جاز قتالهم من غير شرط على معنى الآية ولأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من رأوه من رجال يهود صبيحة قتل ابن الأشرف وكانوا معه معاهدين ولم يأمر بردهم إلى مأمنهم وكذلك لما نقضت بنو قينقاع العهد قاتلهم ولم يردهم إلى مأمنهم ولما نقضت بنو قريظة العهد قاتلهم وأسرهم ولم يبلغهم مأمنهم وكذلك كعب بن الأشرف نفسه أمر بقتله غيلة ولم يشعره أنه يريد قتله فضلا عن أن يبلغه مأمنه وكذلك بنو النضير أجلاهم على أن لا ينقلوا إلا ما حملته الإبل إلا الحلقة وليس هذا بإبلاغ للمأمن لأن من بلغ مأمنه يؤمن على نفسه وأهله وماله حتى يبلغ مأمنه وكذلك سلام ابن أبي الحقيق وغيره من يهود لما نقضوا العهد قتلهم نوبة خبير ولم يبلغهم مأمنهم ولأنه قد ثبت أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وأبا عبيدة ومعاذ ابن جبل وعوف بن مالك قتلوا النصراني الذي أراد أن يفجر بالمسلمة وصلبوه ولم ينكره منكر فصار إجماعا ولم يردوه إلى مأمنه ولأن في شروط عمر التي شرطها على النصارى "فإن نحن خالفا عن شيء شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل لأهل المعاندة والشقاق" رواه حرب بإسناد صحيح وقد تقدم عن عمر وغيره من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وابن عباس وخالد بن الوليد وغيرهم رضوان الله عليهم أنهم قتلوا وأمروا بقتل ناقض العهد ولم يبلغوه مأمنه ولئن دمه كان مباحا وإن عصمته الذمة فمتى ارتفعت الذمة بقي على الإباحة ولأن الكافر لو دخل دار الإسلام بغير أمان وحصل في أيدينا جاز قتله في دارنا وأما من دخل بأمان صبى فإنما ذاك لأنه يعتقد أنه مستأمن