فأما الاسترقاق فإنه أبقى له على ذمته بنحو مما كان فإنه كان تحت ذمتنا نأخذ منه الجزية بمنزلة العبد ولهذا قال بعض الصحابة لعمر في مسلم قتل ذميا: أتقيد عبدك من أخيك؟ بل ربما كان استبعاده أنفع له من جعله ذميا واستبعاد مثل هذا لا تؤمن عاقبته وسوء مغبته وأما المن عليه والمفاداة به فأبلغ في المفسدة وإعادته إلى الذمة ترك لعقوبته بالكلية فتعين قتله.
يوضح ذلك أنا على هذا التقرير لا نعاقبه إذا عاد إلى الذمة إلا بما يعاقب فيه المسلم أو الباقي على ذمته وهذا في الحقيقة يؤول إلى قول من يقول: إن العهد لا ينقض بهذه الأشياء فلا معنى لجعل هذه الأشياء ناقضه للعهد وإيجاب إعادة أصحابها إلى العهد وأن لا يعاقبوا إذا عادوا إلا بما يعاقب به المسلم.
ويؤيد ذلك أن هذه الجرائم إذا رفعت العهد وفسخته فلأن يمنع ابتداء بطريق الأولى لأن الدوام أقوى من الابتداء ألا ترى أن العدة والردة تمنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه فأما إن كان وجود هذه المضرات يمنع دوام العقد فمنعه ابتداءه أولى وأحرى وإذا لم يجز ابتداء عقد الذمة فلأن لا يجوز المن عليه أولى ولأن الله تعالى أمر بقتل جميع المشركين إلا أن المشدود وثاقه من المحاربين جعل لنا أن نعامله بما نرى والخارج عن العهد وليس بمنزلة الذي لم يدخل فيه كما أن الخارج عن الدين ليس بمنزلة الذي لم يدخل فيه فإن الذي لم يدخل فيه باق على حاله والذي خرج من الإيمان والأمان قد أحدث فسادا فلا يلزم من احتمال الفساد الباقي المستصحب احتمال الفساد المحدث المتجدد لأن الدوام أقوى من الابتداء.