يبين ذلك أن كل أسير كان يؤذي المسلمين مع كفره فإن النبي صلى الله عليه وسلم قتله مثل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ومثل أبي عزة الجمحي في المرة الثانية.
وأيضا فإنه إذا امتنع بطائفة أو بدار الحرب كان ما يتوقى من ضرره متعلقا بعزة ومنعته كالحربي الأصلي فإذا زالت المنعة بأسره لم يبق منه ما يبقى إلا من جهة كونه كافرا فقط فلا فرق بينه وبين غيره أما إذا ضر المسلمين وآذاهم بين ظهرانيهم أو تمرد عليهم بالامتناع مما أوجبته الذمة عليه كان ضرره بنفسه من غير طائفة تمنعه وتنصره فيجب إزهاق نفسه التي لا عصمة لها وهي منشأ الضرر وينبوع لأذى المسلمين ألا ترى أن الممتنع ليس فيما فعله إغراء للآحاد غير ذوي المنعة بخلاف الواحد فإن فيما يفعله فتح باب الشر فإن لم يعاقب فعل ذلك غيره وغيره ولا عقوبة لمن لا عهد له من الكفار إلا السيف.
وأيضا فإن الممتنع منهم قد أمرنا بقتاله إلى أن يعطي الجزية عن يد وهو صاغر وأمرنا بقتاله حتى إذا أثخناه فشدوا الوثاق فكل آية فيها ذكر القتال دخل فيها فينتظمه حكم غيره من الكفار الممتنعين ويجوز إنشاء عقد ثان لهم واسترقاقهم ونحو ذلك أما من فعل جناية انتقض بها عهده وهو في أيدينا فلم يدخل في هذه العمومات لأنه لا يقاتل وإنما يقتل إذ القتال للممتنع وإذا كان أخذ الجزية والمن والفداء إنما هو لمن قوتل هذا لم يقاتل فيبقى داخلا في قوله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} غير داخل في آية الجزية والفداء.
وأيضا فإن الممتنع يصير بمنزلة الحربي والحربي يندرج جميع شأنه تحت الحراب بحيث لو أسلم لم يؤاخذ بضمان شيء من ذلك بخلاف الذي في أيدينا وذلك أنه ما دام تحت أيدينا في ذمتنا فإنه لا تأويل له في ضرر المسلمين وإيذائهم أما اللحاق بدار الحرب فقد يكون له معه شبهة في دينه يرى أنه إذا تمكن من الهرب هرب لا سيما وبعض فقهائنا يبيح له ذلك فإذا فعل ذلك