والساب على حق الله بل دخل في العفو كذلك النبي صلى الله عليه وسلم إذا عفا عمن سبه دخل في عفوه عنه حق الله فلم يقتل لكفره كما لا يعزر ساب غيره لمعصيته مع أن المعصية المجردة عن حق آدمي توجب التعزير.
يوضح ذلك أنه قد ثبت أنه كان له أن يقتل من سبه كما في حديث أبي بكر وحديث الذي أمر بقتله لما كذب عليه وحديث الشعبي في قتل الخارجي وكما دلت عليه أحاديث قد تقدم ذكرها وثبت له أن يعفو عنه كما دل عليه حديث ابن مسعود وأبي سعيد وجابر وغيرهم فعلم أن سبه يوجب القتل كما أن سب غيره يوجب الجلد وإن تضمن سبه الكفر بالله كما تضمن سب غيره المعصية لله ويكون الكفر والحراب نوعين: أحداهما حق لله خالص والثاني ما فيه حق لله وحق لآدمي كما أن المعصية قسمان: أحدهما حق خالص لله والثاني حق لله ولآدمي ويكون هذا النوع من الكفر والحراب بمنزلة غيره من الأنواع في استحقاق فاعله القتل ويفارقه في الاستيفاء فإنه إلى الآدمي كما أن المعصية بسب غير النبيين بمنزلة غيرها من المعاصي في استحقاق فاعلها الجلد ويفارق غيرها في أن الاستيفاء فيها إلى الآدمي.
يوضح هذا أن الحق الوجب على الإنسان قد يكون حقا محضا لله وهو ما إذا كفر أو عصى على وجه لا يؤذي أحدا من الخلق فهذا إذا وجب فيه حد لم يجز العفو عنه بحال وقد يكون حقا محضا لآدمي بمنزلة الديون التي تجب للإنسان على غيره من ثمن مبيع أو بدل قرض ونحو ذلك من الديون التي تثبت بوجه مباح فهذا لا عقوبة فيه بوجه وإنما يعاقب على الدين إذا امتنع عن وفائه والامتناع معصية وقد يكون حقا لله ولآدمي مثل حد القذف والقود وعقوبة السب ونحو ذلك فهذه الأمور فيها العقوبة من الحد والتعزير والاستيفاء فيها مفوض إلى اختيار الآدمي: إن أحب استوفى القود وحد القذف وإن شاء عفا فسب النبي صلى الله عليه وسلم لو كان من القسم الثاني لم يكن فيه عقوبة بحال فتعين أن يكون من القسم الثالث وقد ثبت أن