للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فليس في هذا ذكر سب وإنما فيه ذكر استهزاء ومن الاستهزاء بالدين ما لا يتضمن سبا ولا شتما للرسول.

وفي هذا الوجه نظر كما تقدم في سبب نزولها إلا أن يقال: تلك الكلمات ليست من السب المختلف فيه وهذا ليس بجيد.

الوجه الثاني: أنهم قد ذكروا أن المعفو عنه هو الذي استمع أذاهم ولم يتكلم وهو مخشي بن حمير هو الذي تيب عليه وأما الذين تكلموا بالأذى فلم يعف عن أحد منهم.

يحقق هذا أن العفو المطلق إنما هو ترك المؤاخذة بالذنب وإن لم يتب صاحبه كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} والكفر لا يعفى عنه فعلم أن الطائفة المعفو عنها كانت عاصية لا كافرة إما بسماع الكفر دون إنكاره والجلوس مع الذين يخوضون في آيات الله أو بكلام هو ذنب وليس هو كفرا أو غير ذلك وعلى هذا فتكون الآية دالة على أنه لا بد من تعذيب أولئك المستهزئين وهو دليل على أنه لا توبة لهم لأن من أخبر الله بأنه يعذب وهو معين امتنع أن يتوب توبة تمنع العذاب فيصلح أن يجعل هذا دليلا في المسألة.

الوجه الثالث: أنه سبحانه وتعالى أخبر أنه لا بد أن تعذب طائفة من هؤلاء إن عفا عن طائفة وهذا يدل على أن العذاب واقع بهم لا محالة وليس فيه ما يدل على وقوع العفو لأن العفو معلق بحرف الشرط فهو محتمل وأما العذاب فهو واقع بتقدير وقوع العفو وهو بتقدير عدمه أوقع فعلم أنه لا بد من التعذيب: إما عاما أو خاصا لهم ولو كانت توبتهم كلهم مرجوة صحيحة لم يكن كذلك لأنهم إذا تابوا لم يعذبوا وإذا ثبت أنهم لا بد أن

<<  <   >  >>