فإن قيل:"لا يسقط" فلا كلام وإن قيل: "يسقط الحق ولم يسقط الحد كتوبة الأول وأولى" فحاصله أن الكلام في مقامين:
أحدهما: أن هذه التوبة إذا كانت صحيحة نصوحا فيما بينه وبين الله هل يسقط معها حق المخلوق؟ وفيه تفصيل وخلاف فإن قيل:"لم يسقط" فلا كلام وإن قيل: "يسقط" فسقوط حقه بالتوبة كسقوط حق الله بالتوبة فتكون كالتوبة من سائر أنواع الفساد وتلك التوبة إذا كانت بعد القدرة لم تسقط شيئا من الحدود وإن كانت تجب الإثم في الباطن.
وحقيقة هذا الكلام أن قتل الساب ليس لمجرد الردة ومجرد عدم العهد حتى تقبل توبته كغيره بل لردة مغلظة ونقض مغلظ بالضرر ومثله لا يسقط موجبه بالتوبة لأنه من محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض فسادا أو هو من جنس الزنا والسرقة أو هو من جنس القتل والقذف فهذه حقيقة الجواب وبه يتبين الخلل فيما ذكر من الحجة.
ثم نبينه مفصلا فنقول: أما قولهم: "إن ما جاء به من الإيمان به ماح لما أتى به من هتك عرضه" فنقول: إن كان السب مجرد موجب اعتقاد فالتوبة من الاعتقاد توبة من موجبه وأما من زاد على موجب الاعتقاد أو أتى بضده وهم أكثر السابين فقد لا يسلم أن ما يأتي به من التوبة ماح إلا بعد عفوه بل يقال: له المطالبة وإن سلم ذلك فهو كالقسم الأول وهذا القدر لا يسقط الحدود كما تقدم غير مرة.
وأما قولهم:"حقوق الأنبياء من حيث النبوة تابعة لحق الله في الوجوب فتبعته في السقوط" فنقول: هذا مسلم إن كان السب موجب اعتقاد وإلا ففيه الخلاف وأما حقوق الله فلا فرق في باب التوبة بين ما موجبه اعتقاد أو غير اعتقاد فإن التائب من اعتقاد الكفر وموجباته والتائب من الزنا