للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التوبة من سب صدر من غير اعتقاد من الحقوق التي تجب للبشر ثم هو حق متعلق بالنبوة لا محالة فهذا قول هذا القائل وإن كنا لم نرجح واحدا من القولين.

ثم إذا كانت حقوقهم تابعة لحق الله فمن الذي يقول: إن حقوق الله تسقط عن المرتد وناقض العهد بالتوبة؟ فإنا قد بينا أن هؤلاء تقام عليهم حدود الله بعد التوبة وإنما تسقط بالتوبة عقوبة الردة المجردة والنقض المجرد وهذا ليس كذلك.

وأما قوله: "إن الرسول يدعوا الناس إلى الإيمان به ويخبرهم أن الإيمان يمحو الكفر فيكون قد عفا لمن كفر عن حقه" فنقول: هذا جيد إذا كان السب موجب الاعتقاد فقط لأنه هو الذي اقتضاه ودعاه إلى الإيمان به فإنه من أزال اعتقاد الكفر به باعتقاد الإيمان به زال موجبه أما من زاد على ذلك وسبه بعد أن آمن به أو عاهده فلم يلتزم أن يعفو عنه وقد كان له أن يعفو وله أن لا يعفو والتقدير المذكور في السؤال إنما يدل على سب أوجبه الاعتقاد ثم زال باعتقاد الإيمان لأنه هو الذي كان يدعو إليه الكفر وقد زال بالإيمان وأما ما سوى ذلك فلا فرق بينه وبين سب سائر الناس من هذه الجهة وذلك أن الساب إن كان حربيا فلا فرق بين سبه للرسول أو لواحد من الناس من هذه الجهة وإن كان مسلما أو ذميا فإذا سب الرسول سبا لا يوجبه اعتقاده فهو كما لو سب غيره من الناس فإن تجدد الإسلام منه كتجدد التوبة منه يزعه عن هذا الفعل وينهاه عنه وإن لم يرفع موجبه فإن موجب هذا السب لم يكن الكفر به إذ كلامنا في سب لا يوجبه الكفر به مثل فريه عليه يعلم أنها فرية ونحو ذلك لكن إذا أسلم الساب فقد عظم في قلبه عظمة تمنعه أن يفتري عليه كما أنه إذا تاب من سب المسلم عظم الذنب في قلبه عظمة تمنعه من مواقعته وجاز أن

<<  <   >  >>