للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا يكون هذا الإسلام وازعا لكون موجب السب كان شيئا غير الكفر وقد يضعف هذا الإسلام عن دفعه كما يضعف هذه التوبة عن موجب الأذى وفرق بين ارتفاع الأمر بارتفاع سببه أو بوجود ضده فإن ما أوجبه الاعتقاد إذا زال الاعتقاد زال سببه فلم يخش عوده إلا بعود السبب وما لم يوجبه الاعتقاد من الفرية ونحوها على النبي صلى الله عليه وسلم وغيره يرفعها الإسلام والتوبة رفع الضد للضد إذ قبح هذا الأمر وسوء عاقبته والعزم الجازم على فعل ضده وتركه ينافي وقوعه لكن لو ضعف هذا الدافع عن مقاومة السبب المقتضي عمل عمله فهذا يبين أنه لا فرق في الحقيقة بين أن يتوب من سب لم يوجبه مجرد الكفر بالإيمان به الموجب لعدم ذلك السب وبين أن يتوب من سب مسلم بالتوبة الموجبة لعدم ذلك السب.

واعتبر هذا برجل له غرض في أمر فزجر عنه وقيل له: هذا قد حرمه النبي صلى الله عليه وسلم فلا سبيل إليه فحمله فرط الشهوة وقوة الغضب لفوات المطلوب على أن لعن وقبح فيما بينه وبين الله مع أنه لا يشك في النبوة ثم إنه جدد إسلامه وتاب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزل باكيا من كلمته ورجل أراد أن يأخذ مال مسلم بغير حق فمنعه منه فلعن وقبح سرا ثم إنه تاب من هذا واستغفر لذلك الرجل ولم يزل خائفا من كلمته أليست توبة هذا من كلمته كتوبة هذا من كلمته؟ وإن كانت توبة هذا يجب أن تكون أعظم لعظم كلمته لكن نسبة هذه إلى هذه كنسبة هذه إلى هذه بخلاف من إنما يلعن ويقبح من يعتقده كذابا ثم تبين له أنه كان ضالا في ذلك الاعتقاد وكان في مهواة التلف فتاب ورجع من ذلك الاعتقاد توبة مثله فإنه يندرج فيه جميع ما أوجبه.

ومما يقرر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بلغه سب مرتد أو معاهد سئل أن يعفو عنه بعد الإسلام ودلت سيرته على جواز قتله بعد

<<  <   >  >>