وأما جعله في الأوسط كما اعتقده المهاجر بن أبي أمية حتى قطع يد الجارية السابة وقلع ثنيتها فباطل أيضا كما أنكره عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأن الجناية جناية على أشرف الحرمات ولأنه لا مناسبة بينها وبين أوسط العقوبات من قطع عضو من الأعضاء فتعين أن تقابل بأعلى العقوبات وهو القتل.
ولو نزلت بنا نازلة السب وليس معنا فيها أثر يتبع ثم استراب مستريب في أن الواجب إلحاقها بأعلى الجنايات لما عد من بصراء الفقهاء ومثل هذه المصلحة ليست مرسلة بحيث أن لا يشهد لها الشرع بالاعتبار فإذا فرض أنه ليس لها أصل خاص تلحق به ولا بد من الحكم فيها فيجب أن يحكم فيها بما هو أشبه بالأصول الكلية وإذا لم يعمل بالمصلحة لزم العمل بالمفسدة والله لا يحب الفساد.
ولا شك أن العلماء في الجملة من أصحابنا وغيرهم قد يختلفون في هذا الضرب من المصالح إذا لم يكن فيها أثر ولا قياس خاص والإمام أحمد قد يتوقف في بعض أفرادها مثل قتل الجاسوس المسلم ونحوه إن جعلت من أفرادها وربما عمل بها وربما تركها إذا لم يكن معه فيها أثر أو قياس خاص ومن تأمل تصاريف الفقهاء علم أنهم يضطرون إلى رعايتها إذا لم يخالف أصلا من الأصول ولم يخالف في اعتبارها الطوائف من أهل الجدل والكلام من أصحابنا وغيرهم ولو أنهم خاضوا مخاض الفقهاء لعلموا أنه لا بد من اعتبارها وذوق الفقه ممن لجج فيه شيء والكلام على حواشيه من غير معرفة أعيان المسائل شيء آخر وأهل الكلام والجدل إنما يتكلمون في القسم الثاني فيلزمون غيرهم ما لا يقدرون على التزامه ويتكلمون في الفقه كلام من لا يعرف إلا أمورا كلية وعمومات إحاطية وللتفاصيل خصوص نظر ودلائل يدركها من عرف أعيان المسائل.