وأما قولهم:"كون القتل حدا حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي" فصحيح وقد تقدمت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والأثر والنظر الدالة على أن نفس السب من حيث خصوصيته موجب للقتل ولم يثبت ذلك استحسانا صرفا واستصلاحا محضا بل أثبتناه بالنصوص وآثار الصحابة وما دل عليه إيماء الشارع وتنبيهه وبما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة من الخصوصية لهذا السب والحرمة لهذا العرض التي يوجب أن لا يصونه إلا القتل لا سيما إذا قوي الداعي على انتهاكه وخفة حرمته بخفة عقابه وصغر في القلوب مقدار من هو أعظم العالمين قدرا إذا ساوى في قدر العرض زيدا وعمروا وتمضمض بذكره أعداء الدين من كافر غادر ومنافق ماكر فهل يستريب من قلب الشريعة ظهرا لبطن أن محاسنها توجب حفظ هذه الحرمة التي هي أعظم حرمات المخلوقين وحرمتها متعلقة بحرمة رب العالمين بسفك دم واحد من الناس؟ مع قطع النظر عن الكفر والارتداد فإنهما مفسدتان اتحادهما في معنى التعداد ولسنا الآن نتكلم في المصالح المرسلة فإنا لم نحتج إليها في هذه المسألة لما فيها من الأدلة الخاصة الشرعية وإنما ننبه على عظم المصلحة في ذلك بيانا لحكمة الشرع لأن القلوب إلى ما فهمت حكمته أسرع انقيادا والنفوس إذا ما تطلع على مصلحته أعطش أكبادا ثم لو لم يكن في المسألة نص ولا أثر لكان اجتهاد الرأي يقضي بأن يجعل القتل عقوبة هذا الجرم لخصوصه لا لعموم كونه كفرا أو ردة حتى لو فرض تجرده عن ذلك لكان موجبا للقتل أخذا له من قاعدة العقوبات في الشرع فإنه يجعل أعلى العقوبات في مقابلة أرفع الجنايات وأوسطها في مقابلة أوسطها وأدناها في مقابلة أدناها فهذه الجناية إذا انفردت تمتنع أن تجعل في مقابلة الأذى فتقابل بالجلد أو الحبس تسوية بينها وبين الجناية على عرض زيد وعمرو فإنه لا يخفى على من له أدنى نظر بأسباب الشرع أن هذا من أفسد أنواع الاجتهاد ومثله في الفساد خلوها من عقوبة تخصها