للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التوبة فيما بينه وبين الله وفي قبول التوبة مطلقا إذا لم يظهروا السب وإنما الخلاف فيما إذا أظهر النصراني ما هو سب وطعن ودعاؤهم إلى التوبة لا يمنع إقامة الحدود عليهم إذا كانوا معاهدين كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} وكانت فتنتهم أنهم ألقوهم في النار حتى كفروا ولو فعل هذا معاهد بمسلم فإنه يقتل وإن أسلم بالاتفاق وإن كانت توبته فيما بينه وبين الله مقبولة.

وأيضا فإن مقالات الكفار التي يعتقدونها ليست من السب المذكور فإنهم يعتقدون هذا تعظيما لله ودينا له وإنما الكلام في السب الذي هو السب عند الساب وغيره من الناس وفرق بين من يتكلم في حقه بكلام يعتقده تعظيما له وبين من يتكلم بكلام يعلم أنه استهزاء به واستخفاف به ولهذا فرق في القتل والزنى والسرقة والشرب والقذف ونحوهن بين المستحل لذلك المعذور وبين من يعلم التحريم.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" وقوله فيما يروي عن ربه عز وجل: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" فإن من سب الدهر من الخلق لم يقصد سب الله سبحانه وإنما يقصد أن يسب من فعل به ذلك الفعل مضيفا له إلى الدهر فيقع السب على الله لأنه هو الفاعل في الحقيقة وسواء قلنا أنه الدهر اسم من أسماء الله تعالى كما قال نعيم بن حماد أو قلنا إنه ليس باسم وإنما قوله: "أنا الدهر" أي أنا الذي أفعل ما ينسبونه إلى الدهر ويوقعون السب عليه كما قاله أبو عبيدة والأكثرون ولهذا لا يكفر من سب الدهر ولا يقتل لكن يؤدب ويعزر لسوء منطقه والسب المذكور في قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً

<<  <   >  >>