وكعب بن زهير وغيرهم كما دلت عليه السيرة لمن تدبرها وقد قال كعب بن زهير:
نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
وإنما يطلب العفو في شيء يجوز فيه العفو والانتقام وإنما يقال "أوعده" إذا كان حكم الإيعاد باقيا بعد الإسلام وإلا فلو كان الإيعاد معلقا ببقائه على الكفر لم يبق إيعاد.
إذا تقرر هذا فصحة التوبة فيما بينه وبين الله وسقوط حق الرسول بما أبدله من الإيمان به الموجب لحقوقه لا يمنع أن يقيم عليه حد الرسول إذا ثبت عند السلطان وإن أظهر التوبة بعد ذلك كالتوبة من جميع الكبائر الموجبة للعقوبات المشروعة سواء كانت حقا لله أو حقا لآدمي فإن توبة العبد فيما بينه وبين الله بحسب الإمكان صحيحة مع أنه إذا ظهر عليه أقيم عليه الحد وقد أسلفنا أن سب الرسول فيه حق لله وحق لآدمي وأنه من كلا الوجهين يجب استيفاؤه إذا رفع إلى السلطان وإن أظهر الجاني التوبة بعد الشهادة عليه.
وأما ما ذكره من كون سب الرسول ليس بأعظم من سب الله وأن ما فيه من الشرف فلأجله ففي الجواب عنه طريقان:
أحدهما: أنه لا فرق بين البابين فإن ساب الله أيضا يقتل ولا تسقط التوبة القتل عنه إما لكونه دليلا على الزندقة في الإيمان والأمان أو لكونه ليس مجرد ردة ونقض وإنما هو من باب الاستخفاف بالله والاستهانة ومثل هذا لا يسقط القتل عنه إذا تاب بعد الشهادة عليه كما لا يسقط القتل عنه إذا انتهك محارمه فإن انتهاك حرمته أعظم من انتهاك محارمه وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك ومن قاله من أصحابنا وغيرهم ومن أجاب بهذا لم يورد عليه صحة إسلام النصراني ونحوه وقبول توبتهم لأنه لا خلاف في قبول