الخلاف فلا بد من إقامة الدلالة على ذلك والأدلة المذكورة لم تتناول السب الظاهر الذي ينتقض به العهد.
الوجه الثاني: أن صحة التوبة فيما بينه وبين الله لا تسقط حقوق العباد من العقوبة المشروعة في الدنيا فإن من تاب من قتل أو قذف أو قطع طريق أو غير ذلك فيما بينه وبين الله فإن ذلك لا يسقط حقوق العباد من القود وحد القذف وضمان المال وهذا السب فيه حق لآدمي فإن كانت التوبة يغفر له بها ذنبه المتعلق بحق الله وحق عباده فإن ذلك لا يوجب سقوط حقوق العباد من العقوبة.
الوجه الثالث: أن من يقول بقبول التوبة من ذلك في الباطن بكل حال يقول: إن توبة العبد فيما بينه وبين الله ممكنه من جميع الذنوب حتى إنه لو سب سرا آحادا من الناس موتى ثم تاب واستغفر لهم بدل سبهم لرجي أن يغفر الله له ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فكذلك ساب الأنبياء والرسل لو لم تقبل توبته وتغفر زلته لانسد باب التوبة وقطع طريق المغفرة والرحمة وقد قال تعالى لما نهى عن الغيبة: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} فعلم أن المغتاب له سبيل إلى التوبة بكل حال وإن كان الذي اغتيب ميتا أو غائبا بل على أصح الروايتين ليس عليه أن يستحله في الدنيا إذا لم يكن علم فإن فساد ذلك أكثر من صلاحه وفي الأثر: "كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته" وقد قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} أما إذا كان الرسول حيا وقد بلغه السب فقد يقول هنا: إن التوبة لا تصح حتى يستحل الرسول ويعفو الرسول عنه كما فعل أنس بن زنيم وأبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وابن الزبعرى وإحدى القينتين