ففيه نظر والذي يقتضيه القياس أنه كتوبة المسلم: إن كان قد بلغ المشتوم فلا بد من استحلاله وإن لم يبلغه ففيه خلاف مشهور وذلك لأنه حق آدمي يعتقده محرما عليه وقد انتهكه فهو كما لو قتل المعاهد مسلما سرا ثم أسلم وتاب أو أخذ له مالا سرا ثم أسلم فإن إسلامه لم يسقط عنه حق الآدمي الذي كان يعتقده محرما بالعهد لا ظاهرا ولا باطنا وهذا معنى قول من قال من أصحابنا: "إن توبته فيما بينه وبين الله مقبولة" فإن الله يقبل التوبة من الذنوب كلها وإن الله يقبل التوبة من حقوقه مطلقا أما من حقوق العباد فإن التوبة لا تبطل حقوقهم بل إما أن يستوفيها صاحبها ممن ظلمه أو يعوضه الله عنها من فضله العظيم.
وجماع هذا الأمر أن التوبة من كل شيء كان يستحله في كفره تسقط حقوق الله وحقوق العباد ظاهرا وباطنا لكن السب الذي نتكلم فيه هو السب الذي يظهره الذمي وليس هذا مما كان يستحله كما لم يكن يستحل دماءنا وأموالنا وإن كان ذلك مما يستحله لولا العهد.
وقد تقدم ذكر هذا وبينا أن العهد يحرم عليه في دينه كثيرا مما كان يعتقده حلالا لولا العهد ونظير هذا توبة المرتد من السب الذي يعتقد صحته وأما ما لم يكن يستحله وهو إظهار السب ففيه حقان: حق الله وحق للآدمي فتوبته تسقط فيما بينه وبين الله حقه لكن لا يلزم أن تسقط حق الآدمي في الباطن فهذا الكلام على قبول التوبة فيما بينه وبين الله.
وحينئذ فالجواب من وجوه:
أحدها: أن الموضع الذي ثبت فيه قبول توبته فيما بينه وبين الله من حق الله وحق عباده ليس هو الموضع الذي ينتقض فيه عهده ويقتل وإن تاب فإن ادعى أنه يسقط حق العباد في جميع الصور فهذا محل منع لما فيه من