للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مخلوق وهو من جنس الآدميين الذين تلحقهم المعرة والغضاضة بالسب والشتم وكذلك يثابون على سبهم ويعطيهم الله من حسنات الشاتم أو من عنده عوضا على ما أصابهم من المصيبة بالشتم فمن سبه فقد انتقص حرمته والخالق سبحانه لا تلحقه معرة ولا غضاضة بذلك فإنه منزه عن لحوق المنافع والمضار كما قال سبحانه فيما يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" وإذا كان سب النبي صلى الله عليه وسلم قد يؤثر انتقاصه في النفوس وتلحقه بذلك معرة وضيم وربما كان سببا للتنفير عنه وقلة هيبته وسقوط حرمته شرعت العقوبة على خصوص الفساد الحاصل بسبه فلا تسقط بالتوبة كالعقوبة على جميع الجرائم وأما ساب الله سبحانه فإنه يضر نفسه بمنزلة الكافر والمرتد فمتى تاب زال ضرر نفسه فلا يقتل.

وهذا الفرق ذكره طوائف من المالكية والشافعية والحنابلة منهم القاضي عبد الوهاب بن نصر والقاضي أبو يعلي في "المجرد" وأبو علي بن البناء وابن عقيل وغيرهم وهو يتوجه مع قولنا: إن سب النبي صلى الله عليه وسلم حد لله كالزنى والسرقة.

يؤيد ذلك أن القذف بالكفر أعظم من القذف بالزنا ثم لم يشرع عليه حد مقدر كما شرع على الرمي بالزنا وذلك لأن المقذوف بالكفر لا يلحقه العار الذي يلحقه بالرمي بالزنا لأنه بما يظهر من الإيمان يعلم كذب القاذف وبما يظهره من التوبة تزول عنه تلك المعرة بخلاف الزنا فإنه يستسر به ولا يمكنه إظهار البراءة منه ولا تزول معرته في عرف الناس عند إظهار التوبة فكذلك ساب الرسول يلحق بالدين وأهله من المعرة ما لا يلحقهم إذا سب الله لكون المنافي لسب الله ظاهرا معلوما لكل أحد يشترك فيه كل الناس.

<<  <   >  >>