الوجه الثالث: أن عليه الصلاة والسلام إنما يسب على وجه الاستخفاف به والاستهانة وللنفوس الكافرة والمنافقة إلى ذلك داع: من جهة الحسد على ما آتاه الله من فضله ومن جهة المخالفة في دينه ومن جهة الانقهار تحت حكم دينه وشرعه ومن جهة المراغمة لأمته وكل مفسدة يكون إليها داع فلا بد من شرع العقوبة عليها حدا وكل ما شرعت العقوبة عليه لم يسقط بالتوبة كسائر الجرائم وأما سب الله سبحانه فإنه لا يقع في الغالب استخفافا واستهانة وإنما يقع تدينا واعتقادا وليس للنفوس في الغالب داع إلى إلقاء السب إلا عن اعتقاد يرونه تعظيما وتمجيدا وإذا كان كذلك لم يحتج خصوص السب إلى شرع زاجر بل هو نوع من الكفر فيقتل الإنسان عليه كردته وكفره إلا أن يتوب.
وهذا الوجه من نمط الذي قبله والفرق بينهما أن ذلك بيان لأن مفسدة السب لا تزول بإظهار التوبة بخلاف مفسدة سب الله تعالى والثاني بيان لأن سب الرسول إليه داع طبعي فيشرع الزجر عليه لخصوصه كشرب الخمر وسب الله تعالى ليس إليه داع طبعي فلا يحتاج خصوصه إلى زجر آخر كشرب البول وأكل الميتة والدم.
والوجه الرابع: أن سب النبي عليه الصلاة والسلام حد وجب لسب آدمي ميت لم يعلم أنه عفا عنه وذلك لا يسقط بالتوبة بخلاف سب الله تعالى فإنه قد علم أنه قد عفا عمن سبه إذا تاب وذلك أن سب الرسول متردد في سقوطه حده بالتوبة بين سب الله وسب سائر الآدميين فيجب إلحاقه بأشبه الأصلين به ومعلوم أن سب الآدمي إنما لم تسقط عقوبته بالتوبة لأن حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة لأنهم ينتفعون باستيفاء حقوقهم ولا ينتفعون بتوبة التائب فإذا تاب من للآدمي عليه حق قصاص أو قذف فإن له أن يأخذه منه لينتفع